للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَمْلِ؛ لِكَوْنِهَا حَامِلًا بِوَلَدِهِ؛ فَهِيَ نَفَقَةٌ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ أَبَاهُ، لَا عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا زَوْجَةً.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ؛ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] ، وَقَالَ هُنَا: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] . فَجَعَلَ أَجْرَ الْإِرْضَاعِ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَامِلِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَجْرَ الْإِرْضَاعِ يَجِبُ عَلَى الْأَبِ لِكَوْنِهِ أَبًا، فَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْحَامِلِ؛ وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَامِلِ وَرِزْقَهَا وَكِسْوَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ؛ وَقَدْ جُعِلَ أَجْرُ الْمُرْضِعَةِ كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] أَيْ وَارِثِ الطِّفْلِ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ. وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ مِنْ " بَابِ نَفَقَةِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ "؛ لَا مِنْ " بَابِ نَفَقَةِ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ ".

وَعَلَى هَذَا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةٌ بَلْ كَانَتْ حَامِلًا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ أَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ وَقَدْ أَعْتَقَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَمْلِ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْإِرْضَاعِ؛ وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ لِغَيْرِهِ، كَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ إرْثٍ فَالْوَلَدُ هُنَا لِسَيِّدِ الْأَمَةِ، فَلَيْسَ عَلَى الْوَاطِئِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ زَوْجًا، وَلَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ حُرَّةً فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَالنَّسَبُ هَهُنَا لَاحِقٌ؛ لَكِنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ؛ وَالْوَلَدُ الْحُرُّ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ الْعَبْدِ؛ وَلَا أُجْرَةُ رَضَاعِهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ مَالٌ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى وَلَدِهِ، وَسَيِّدُهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي وَلَدِهِ؛ فَإِنَّ وَلَدَهُ: إمَّا حُرٌّ، وَإِمَّا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ، نَعَمْ، لَوْ كَانَتْ الْحَامِلُ أَمَةً وَالْوَلَدُ حُرٌّ مِثْلُ الْمَغْرُورِ الَّذِي اشْتَرَى أَمَةً فَظَهَرَ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِغَيْرِ الْبَائِعِ، أَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً فَظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةً؛ فَهُنَا الْوَلَدُ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً مَمْلُوكَةً لِغَيْرِ الْوَاطِئِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَطِئَ مَنْ يَعْتَقِدُهَا مَمْلُوكَةً لَهُ أَوْ زَوْجَةً حُرَّةً، وَبِهَذَا قَضَتْ الصَّحَابَةُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ بِشِرَاءِ الْوَلَدِ وَهُوَ نَظِيرُهُ فَهُنَا الْآنَ يُنْفِقُ عَلَى الْحَامِلِ كَمَا يُنْفِقُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَة وَالرَّجُل إذَا تَحَاكَمَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ]

٦٤٦ - ٢٧ - مَسْأَلَةٌ:

فِي الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ إذَا تَحَاكَمَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ؛ هَلْ الْقَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>