بَلْ قِيلَ أَنْ لَا يَكُونَ بِالْحِجَازِ جَامِدًا بِحَالٍ، فَإِطْلَاقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَوَابَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ يُوجِبُ الْعُمُومَ، إذْ السُّؤَالُ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَكُلُوا سَمْنَكُمْ، وَتَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَةِ الْحَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، هَذَا إذَا كَانَ السَّمْنُ بِالْحِجَازِ يَكُونُ جَامِدًا، وَيَكُونُ ذَائِبًا فَأَمَّا إنْ كَانَ وُجُودُ الْجَافِّ نَادِرًا، أَوْ مَعْدُومًا كَانَ الْحَدِيثُ نَصًّا فِي أَنَّ السَّمْنَ الذَّائِبَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ الْفَأْرَةُ فَإِنَّهَا تُلْقَى وَمَا حَوْلَهَا وَيُؤْكَلُ. وَبِذَلِكَ أَجَابَ الزُّهْرِيُّ، فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجَسُ قَلِيلُهُ وَلَا كَثِيرُهُ، إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَائِلِ الصَّحِيحِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْمَائِعَاتِ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَدَلَائِلِهَا، وَكَلَامُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَيْفَ وَفِي تَنْجِيسِ مِثْلِ ذَلِكَ وَتَحْرِيمِهِ مِنْ فَسَادِ الْأَطْعِمَةِ الْعَظِيمَةِ، وَإِتْلَافِ الْأَمْوَالِ الْعَظِيمَةِ الْقَدْرِ مَا لَا تَأْتِي بِمِثْلِهِ الشَّرِيعَةُ الْجَامِعَةُ لِلْمَحَاسِنِ كُلِّهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا الْخَبَائِثَ تَنْزِيهًا لَنَا عَنْ الْمَضَارِّ، وَأَبَاحَ لَنَا الطَّيِّبَاتِ كُلَّهَا، لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا شَيْئًا مِنْ الطَّيِّبَاتِ، كَمَا حَرَّمَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ بِظُلْمِهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ.
وَمَنْ اسْتَقْرَأَ الشَّرِيعَةَ فِي مَوَارِدِهَا، وَمَصَادِرِهَا، وَاشْتِمَالِهَا عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَهْدِيهِ اللَّهُ إلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَاتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
[مَسْأَلَةٌ طَوَاف الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ]
وَمِنْ مُصَنَّفَاتِهِ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ: فَصْلٌ:
٨٠ - ٦٥ مَسْأَلَةٌ:
فِي طَوَافِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْحَائِضُ تَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute