للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ بِفِطْرِهِ أَوَّلًا، فَصَارَ عَاصِيًا مَرَّتَيْنِ، فَكَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ أَوْكَدَ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ عَلَى مِثْلِ هَذَا لَصَارَ ذَرِيعَةً إلَى أَنْ لَا يُكَفِّرَ أَحَدٌ، فَإِنَّهُ لَا يَشَاءُ أَحَدٌ أَنْ يُجَامِعَ فِي رَمَضَانَ إلَّا أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْكُلَ، ثُمَّ يُجَامِعُ بَلْ ذَلِكَ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى مَقْصُودِهِ، فَيَكُونُ قَبْلَ الْغَدَاءِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَإِذَا تَغَدَّى هُوَ وَامْرَأَتُهُ ثُمَّ جَامَعَهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهَذَا شَنِيعٌ فِي الشَّرِيعَةِ لَا تَرِدُ بِمِثْلِهِ.

فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ فِي الْعُقُولِ وَالْأَدْيَانِ أَنَّهُ كُلَّمَا عَظُمَ الذَّنْبُ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ أَبْلَغَ، وَكُلَّمَا قَوِيَ الشَّبَهُ قَوِيَتْ، وَالْكَفَّارَةُ فِيهَا شَوْبُ الْعِبَادَةِ، وَشَوْبُ الْعُقُوبَةِ، وَشُرِعَتْ زَاجِرَةً وَمَاحِيَةً، فَبِكُلِّ حَالٍ قُوَّةُ السَّبَبِ يَقْتَضِي قُوَّةَ الْمُسَبَّبِ.

ثُمَّ الْفِطْرُ بِالْأَكْلِ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ. كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ مُعِينًا لِلسَّبَبِ الْمُسْتَقِلِّ، بَلْ يَكُونُ مَانِعًا مِنْ حُكْمِهِ، وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ.

ثُمَّ الْمُجَامِعُ كَثِيرًا مَا يُفْطِرُ قَبْلَ الْإِيلَاجِ، فَتَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ عَنْهُ بِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[أَفْطَرَ نَهَارَ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا ثُمَّ جَامَعَ]

٣٤٤ - ١٤ - وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، عَنْ رَجُلٍ أَفْطَرَ نَهَارَ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، ثُمَّ جَامَعَ: فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؟ أَمْ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ؟

فَأَجَابَ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَجِبُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا تَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.

[وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مُعْتَقِدًا بَقَاءَ اللَّيْلِ]

٣٤٥ - ١٥ - وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، عَنْ رَجُلٍ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مُعْتَقِدًا بَقَاءَ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ، فَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟

فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِأَهْلِ الْعِلْمِ: أَحَدُهَا: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>