فَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ فِي الظَّاهِرِ قَدْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُؤْمِنِ، وَمَنْ عَلِمَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ كَيْفَ كَانَ لَمْ يَشُكَّ فِي أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ هِيَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِذَا حَلَّ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: إمَّا أَنْ تُوفِيَ، وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ، فَإِنْ لَمْ يُوفِهِ، وَإِلَّا زَادَهُ فِي الْمَالِ وَيَزِيدُهُ الْغَرِيمُ فِي الْأَجَلِ، وَلِهَذَا مَنْ عَلِمَ حَقِيقَةَ الدَّيْنِ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَطَعَ بِالتَّحْرِيمِ فِيمَا كَانَ مَقْصُودُهُ هَذَا، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ - عَنْ الرِّبَا الَّذِي هُوَ الرِّبَا نَفْسُهُ الَّذِي فِيهِ تَغْلِيظٌ قَالَ: أَمَّا الْبَيِّنُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَك دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَتَزِيدَ عَلَى صَاحِبِهِ تَحْتَالُ فِي ذَلِكَ لَا تُرِيدُ إلَّا الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ وَالشَّيْءُ مِمَّا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ يَبِيعُهُ بِمِثْلِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبُو سَعِيدٍ: " أَوْ يَتِيمًا فَرْدًا " قَالَ: وَهُوَ فِي النَّسِيئَةِ أَبْيَنُ.
وَبِالْجُمْلَةِ مَنْ تَأَمَّلَ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاهِيًا عَنْهُ مِمَّا سَيَكُونُ فِي الْأُمَّةِ مِنْ اسْتِحْلَالِ الْمُحَرَّمَاتِ، بِأَنْ يَسْلُبُوا عَنْهَا الِاسْمَ الَّذِي حُرِّمَتْ بِهِ، وَمَا فَعَلَتْهُ الْيَهُودُ عَلِمَ أَنَّ هَذَيْنِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ تَصْدِيقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» وَعُلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ أَكْثَرَ الْحِيَلِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتْ الْيَهُودُ فَتَسْتَحِلُّونَ مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى الْحَقِّ.
[الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ]
الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ
مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ بَلَاءً فَلَا يُرْفَعُ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ. قَالَ: أَنْبَأَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْمِصْرِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ، أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute