للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِأَسْمَاءٍ يُسَمُّونَهَا بِهَا وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ وَالْقَتْلَ بِالرَّهْبَةِ وَالزِّنَا بِالنِّكَاحِ وَالرِّبَا بِالْبَيْعِ» .

وَهَذَا الْخَبَرُ صَدَقَ فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ الْمُقَدَّمَ ذِكْرُهَا قَدْ بُيِّنَتْ، وَأَمَّا اسْتِحْلَالُ السُّحْتِ الَّذِي هُوَ الْعَطِيَّةُ لِلْوَالِي وَالْحَاكِمِ وَالشَّافِعِ وَنَحْوِهِمْ بِاسْمِ الْهَدِيَّةِ فَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، وَأَمَّا اسْتِحْلَالُ الْقَتْلِ بِاسْمِ الْإِرْهَابِ الَّذِي يُسَمِّيهِ وُلَاةُ الظُّلْمِ سِيَاسَةً وَهَيْبَةً وَأُبَّهَةَ الْمُلْكِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَظَاهِرٌ أَيْضًا، وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْخُمُورَ وَالرِّبَا وَالسُّحْتَ وَالزِّنَا وَغَيْرَهَا بِأَسْمَاءٍ أُخْرَى مِنْ النَّبِيذِ وَالْبَيْعِ وَالْهَدِيَّةِ وَالنِّكَاحِ، وَمَنْ يَسْتَحِلُّ الْحَرِيرَ وَالْمَعَازِفَ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ فِعْلُ أَصْحَابِ الْحِيَلِ، فَإِنَّهُمْ يَعْمِدُونَ إلَى الْأَحْكَامِ فَيُعَلِّقُونَهَا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِلُّونَهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي لَفْظِ الشَّيْءِ الْمُحَرَّمِ، مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ يَعْلَمُ أَنَّ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّيْءِ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ، وَهَذَا بَيِّنٌ فِي الْحِيَلِ الرِّبَوِيَّةِ، وَنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تُسْتَحَلُّ بِاسْمِ الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالنِّكَاحِ وَهِيَ رِبًا، أَوْ سِفَاحٌ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِلرَّجُلِ وَلَهُ عَلَيْهِ أَلْفٌ تَجْعَلُهَا إلَى سَنَةٍ بِأَلْفٍ، وَمِائَتَيْنِ فَقَالَ: بِعْنِي هَذِهِ السِّلْعَةَ بِالْأَلْفِ الَّتِي فِي ذِمَّتِك، ثُمَّ ابْتَعْهَا مِنِّي بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ، فَهَذِهِ صُورَةُ الْبَيْعِ وَفِي الْحَقِيقَةِ بَاعَهُ الْأَلْفَ الْحَالَّةَ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ مُؤَجَّلَةٍ، فَإِنَّ السِّلْعَةَ قَدْ تَوَاطَئُوا عَلَى عَوْدِهَا إلَى رَبِّهَا، وَلَمْ يَأْتِيَا بِبَيْعٍ مَقْصُودٍ بَتَّةً.

وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ، وَإِنْ أَتَوْا بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَبِالْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ وَالْمَهْرِ فَإِنَّهُمْ قَدْ تَوَاطَئُوا عَلَى أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ لَيْلَةً، أَوْ سَاعَةً ثُمَّ تُفَارِقَهُ، وَأَنَّهَا لَا تَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ تُعْطِيهِ، وَهَذَا هُوَ سِفَاحُ امْرَأَةٍ تَسْتَأْجِرُ رَجُلًا لِيَفْجُرَ بِهَا لِحَاجَتِهَا إلَيْهَا. فَتَبْدِيلُ النَّاسِ لِلْأَسْمَاءِ لَا يُوجِبُ تَبْدِيلَ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّهَا أَسْمَاءٌ سَمَّوْهَا وَآبَاؤُهُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، كَتَسْمِيَةِ الْأَوْثَانِ آلِهَةً، فَإِنَّ خَصَائِصَ الْإِلَهِيَّةِ لَمَّا كَانَتْ مَعْدُومَةً فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ حَقِيقَةٌ، وَكَذَلِكَ خَصَائِصُ الْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَهِيَ الصِّفَاتُ وَالنُّعُوتُ الْمَوْجُودَةُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ فِي الْعَادَةِ إذَا كَانَ بَعْضُهَا مُنْتَفِيًا عَنْ هَذَا الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ بَيْعًا وَلَا نِكَاحًا، فَإِذَا كَانَتْ صِفَاتُ الْخَمْرِ، وَالرِّبَا، وَالسِّفَاحِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ مَوْجُودَةً فِي شَيْءٍ كَانَ مُحَرَّمًا، وَإِنْ سَمَّاهُ النَّاسُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الِاسْمِ لِتَغْيِيرٍ أَتَوْا بِهِ فِي ظَاهِرِهِ.

وَإِنْ أُفْرِدَ بِاسْمٍ، كَمَا أَنَّ الْمُنَافِقَ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْكَافِرِ فِي الْحَقِيقَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>