للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَوَّلُ دِينِكُمْ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ مُلْكٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ مُلْكٌ وَجَبْرِيَّةٌ، ثُمَّ مُلْكٌ عَضُوضٌ يُسْتَحَلُّ فِيهِ الْحِرُّ وَالْحَرِيرُ» . يُرِيدُ اسْتِحْلَالَ الْفُرُوجِ مِنْ الْحَرَامِ وَالْحِرُّ - بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ - هُوَ الْفَرْجُ.

وَيُشْبِهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ ظُهُورَ اسْتِحْلَالِ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَاسْتِحْلَالِ خُلْعِ الْيَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ اسْتِحْلَالَ الْفُرُوجِ الْمُحَرَّمَةِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَمْ يَسْتَحِلَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ الزِّنَا الصَّرِيحَ، وَلَمْ يُرِدْ بِالِاسْتِحْلَالِ مُجَرَّدَ الْفِعْلِ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا فِي النَّاسِ، ثُمَّ لَفْظُ الِاسْتِحْلَالِ، إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَصْلِ فِيمَنْ اعْتَقَدَ الشَّيْءَ، حَلَالًا، وَالْوَاقِعُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا الْمُلْكَ الْعَضُوضَ الَّذِي كَانَ بَعْدَ الْمُلْكِ وَالْجَبْرِيَّةِ قَدْ كَانَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ التَّابِعِينَ. وَفِي تِلْكَ الْأَزْمَانِ صَارَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَنْ يُفْتِي بِنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ مَنْ يُفْتِي بِذَلِكَ أَصْلًا.

يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَشْهُورِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ وَالْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» . وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ» . قَالَ: وَقَالَ: «مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ تَعَالَى» فَلَمَّا لَعَنَ أَهْلَ الرِّبَا وَالتَّحْلِيلَ، وَقَالَ مَا ظَهَرَ الرِّبَا وَالزِّنَا فِي قَوْمٍ إلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ كَانَ هَذَا كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ التَّحْلِيلَ مِنْ الزِّنَا كَمَا أَنَّ الْعِينَةَ مِنْ الرِّبَا وَأَنَّ اسْتِحْلَالَ هَذَيْنِ اسْتِحْلَالٌ لِلرِّبَا وَالزِّنَا. وَأَنَّ ظُهُورَ ذَلِكَ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ الَّتِي ذُكِرَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ.

وَقَدْ جَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ يُوَافِقُ هُنَا، رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُسْتَحَلُّ فِيهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>