وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الْخِلَافَ الْقَدِيمَ حُكْمُهُ بَاقٍ؛ لِأَنَّ الْأَقْوَالَ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ قَائِلِيهَا فَإِنَّهُ يُسَوِّغُ الذَّهَابَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لِلْمُجْتَهِدِ الَّذِي وَافَقَ اجْتِهَادَهُ.
وَأَمَّا التَّقْلِيدُ فَيَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ، وَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَيْضًا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَوْلُ الَّذِي يَقُولُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ أَوْ غَيْرُهُمْ قَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْبَاقِيَةُ مَذَاهِبُهُمْ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُ مُؤَيَّدٌ بِمُوَافَقَةِ هَؤُلَاءِ وَيَعْتَضِدُ بِهِ، وَيُقَابِلُ بِهَؤُلَاءِ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِمْ.
فَيُقَابِلُ بِالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا، إذْ الْأُمَّةُ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ دُونَ هَذَا إلَّا بِحُجَّةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ هَلْ التَّبْلِيغُ وَرَاءَ الْإِمَامِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ]
٢٧٣ - ١٨٩ - مَسْأَلَةٌ: هَلْ التَّبْلِيغُ وَرَاءَ الْإِمَامِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَعَ الْأَمْنِ مِنْ إخْلَالِ شَيْءٍ مِنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَالطُّمَأْنِينَةِ الْمَشْرُوعَةِ، وَاتِّصَالِ الصُّفُوفِ، وَالِاسْتِمَاعِ لِلْإِمَامِ مِنْ وَرَائِهِ إنْ وَقَعَ خَلَلٌ مِمَّا ذُكِرَ، هَلْ يُطْلَقُ عَلَى فَاعِلِهِ الْبِدْعَةُ؟ وَهَلْ ذَهَبَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إلَى بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِذَلِكَ؟ وَمَا حُكْمُ مَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ قُرْبَةً فَعَلَهُ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ؟
الْجَوَابُ: لَمْ يَكُنْ التَّبْلِيغُ وَالتَّكْبِيرُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلَى عَهْدِ خُلَفَائِهِ، وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ، إلَّا مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً «صُرِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ فَرَسٍ رَكِبَهُ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ قَاعِدًا، فَبَلَّغَ أَبُو بَكْرٍ عَنْهُ التَّكْبِيرَ» . كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
وَمَرَّةً أُخْرَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بَلَّغَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ، وَهَذَا مَشْهُورٌ. مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ مُؤْتَمًّا فِيهَا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ إمَامًا لِلنَّاسِ، فَيَكُونُ تَبْلِيغُ أَبِي بَكْرٍ إمَامًا لِلنَّاسِ، وَإِنْ كَانَ مُؤْتَمًّا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَكَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كَانَ النَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute