للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْعُ الصَّحِيحُ هُوَ الَّذِي يُوَافِقُهُ الْعَقْلُ الصَّرِيحُ، كَمَا تَكَلَّمْت عَلَى حَدِّ الْيَوْمِ أَيْضًا، وَبَيَّنْت أَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ بِالْحِسَابِ، لِأَنَّ الْيَوْمَ يَظْهَرُ بِسَبَبِ الْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ الْعَشَاءَ مِنْ حِصَّةِ الْفَجْرِ، إنَّمَا يَصِحُّ كَلَامُهُ لَوْ كَانَ الْمُوجِبُ لِظُهُورِ النُّورِ وَخَفَائِهِ مُحَاذَاةَ الْأُفُقِ الَّتِي تُعْلَمُ بِالْحِسَابِ.

فَأَمَّا إذَا كَانَ لِلْأَبْخِرَةِ فِي ذَلِكَ تَأْثِيرٌ، وَالْبُخَارُ يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ وَالْأَرْضُ الرَّطْبَةُ أَكْثَرُ مِمَّا يَكُونُ فِي الصَّيْفِ وَالْأَرْضِ الْيَابِسَةِ. وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَنْضَبِطُ بِالْحِسَابِ، فَسَدَتْ طَرِيقَةُ الْقِيَاسِ الْحِسَابِيِّ.

وَلِهَذَا تُوجَدُ حِصَّةُ الْفَجْرِ فِي زَمَانِ الشِّتَاءِ أَطْوَلَ مِنْهَا فِي زَمَانِ الصَّيْفِ. وَالْآخِذُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَاسِ الْحِسَابِيِّ يَشْكُلُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لِأَنَّ حِصَّةَ الْفَجْرِ عِنْدَهُ تَتْبَعُ النَّهَارَ، وَهَذَا أَيْضًا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ.

[مَسْأَلَة الْمُسَافِر فِي رَمَضَانَ]

٣٣٤ - ٤ - وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، عَنْ الْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ، وَمَنْ يَصُومُ، يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُنْسَبُ إلَى الْجَهْلِ. وَيُقَالُ لَهُ الْفِطْرُ أَفْضَلُ، وَمَا هُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ: وَهَلْ إذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ مِنْ يَوْمِهِ يُفْطِرُ؟ ؟ وَهَلْ يُفْطِرُ السُّفَّارُ مِنْ الْمُكَارِيَةِ وَالتُّجَّارِ وَالْجَمَّالُ وَالْمَلَّاحُ وَرَاكِبُ الْبَحْرِ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ، وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ؟

فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ: الْفِطْرُ لِلْمُسَافِرِ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءٌ كَانَ سَفَرَ حَجٍّ، أَوْ جِهَادٍ، أَوْ تِجَارَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْفَارِ الَّتِي لَا يَكْرَهُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ.

وَتَنَازَعُوا فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَاَلَّذِي يُسَافِرُ لِيَقْطَعَ الطَّرِيقَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ كَمَا تَنَازَعُوا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ.

فَأَمَّا السَّفَرُ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الْفِطْرُ مَعَ الْقَضَاءِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، وَيَجُوزُ الْفِطْرُ لِلْمُسَافِرِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ قَادِرًا عَلَى الصِّيَامِ، أَوْ عَاجِزًا، وَسَوَاءٌ شَقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، أَوْ لَمْ يَشُقَّ، بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي الظِّلِّ وَالْمَاءِ وَمَعَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ وَالْقَصْرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>