الْجَهْلُ بِعَيْنِ الْمَأْمُومِينَ بَلْ إذَا نَوَى الصَّلَاةَ بِمَنْ خَلْفَهُ جَازَ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا عَيَّنَ فَأَخْطَأَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا.
وَالصَّوَابُ: الْفَرْقُ بَيْنَ تَعْيِينِهِ بِالْقَصْدِ، بِحَيْثُ يَكُونُ قَصْدُهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا خَلْفَهُ، وَبَيْنَ تَعْيِينِ الظَّنِّ بِحَيْثُ يَكُونُ قَصْدُهُ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا. لَكِنْ ظَنَّ أَنَّهُ زَيْدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ مُنْفَرِدًا]
٢٧٢ - ١٨٨ - مَسْأَلَةٌ:
فِيمَنْ عَمَّنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ مُنْفَرِدًا.
هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ هَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا؟ وَالْأَئِمَّةُ الْقَائِلُونَ بِهَذَا مِنْ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ: كَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، قَدْ قَالَ عَنْهُمْ رَجُلٌ - أَعْنِي عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ - هَؤُلَاءِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ، فَصَاحِبُ هَذَا الْكَلَامِ مَا حُكْمُهُ؟ وَهَلْ يُسَوَّغُ تَقْلِيدُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ لِمَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ؟ كَمَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ؟ أَمْ لَا؟ .
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «أَمَرَ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الصَّفِّ بِالْإِعَادَةِ» وَقَالَ: «لَا صَلَاةَ لِفَذٍّ خَلْفَ الصَّفِّ» وَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَأَسَانِيدُهُمَا مِمَّا تَقُومُ بِهِمَا الْحُجَّةُ؛ بَلْ الْمُخَالِفُونَ لَهُمَا يَعْتَمِدُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا هُوَ أَضْعَفُ إسْنَادًا مِنْهُمَا، وَلَيْسَ فِيهِمَا مَا يُخَالِفُ الْأُصُولَ، بَلْ مَا فِيهِمَا هُوَ مُقْتَضَى النُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ، وَالْأُصُولُ الْمُقَرَّرَةُ، فَإِنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ سُمِّيَتْ جَمَاعَةً لِاجْتِمَاعِ الْمُصَلِّينَ فِي الْفِعْلِ مَكَانًا وَزَمَانًا، فَإِذَا أَخَلُّوا بِالِاجْتِمَاعِ الْمَكَانِيِّ أَوْ الزَّمَانِيِّ مِثْلَ أَنْ يَتَقَدَّمُوا أَوْ بَعْضُهُمْ عَلَى الْإِمَامِ، أَوْ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُ تَخَلُّفًا كَثِيرًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَانَ ذَلِكَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ غَيْرَ مُنْتَظِمِينَ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَلْفَ هَذَا، وَهَذَا خَلْفَ هَذَا، كَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ، بَلْ قَدْ أُمِرُوا بِالِاصْطِفَافِ، بَلْ أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَقْوِيمِ الصُّفُوفِ وَتَعْدِيلِهَا، وَتَرَاصِّ الصُّفُوفِ، وَسَدِّ الْخَلَلِ؛ وَسَدِّ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، كُلُّ ذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي تَحْقِيقِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute