أَنْ يُطْعِمَ ثَمَانِ أَوَاقٍ، أَوْ تِسْعَ أَوَاقٍ بِالشَّامِيِّ، وَيُطْعِمَ مَعَ ذَلِكَ إدَامَهَا؛ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الشَّامِ فِي إعْطَاءِ الْجِرَايَاتِ خُبْزًا وَإِدَامًا. وَإِذَا كَفَّرَ يَمِينَهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ.
وَأَمَّا إذَا قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، مِثْلُ أَنْ يُنَجِّزَ الطَّلَاقَ فَيُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ يَقْصِدُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عِنْدَهَا، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِلطَّلَاقِ إذَا فَعَلْت أَمْرًا مِنْ الْأُمُورِ، فَيَقُولُ لَهَا: إنْ فَعَلْته فَأَنْتِ طَالِقٌ. قَصْدُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا فَعَلَتْهُ، فَهَذَا مُطْلَقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ السَّلَفِ وَجَمَاهِيرِ الْخَلَفِ؛ بِخِلَافِ مَنْ قَصْدُهُ أَنْ يَنْهَاهَا وَيَزْجُرَهَا بِالْيَمِينِ؛ وَلَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ الَّذِي يَكْرَهُهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَلِّقَهَا؛ بَلْ هُوَ مُرِيدٌ لَهَا وَإِنْ فَعَلَتْهُ؛ لَكِنَّهُ قَصَدَ الْيَمِينَ لِمَنْعِهَا عَنْ الْفِعْلِ؛ لَا مُرِيدًا أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ فَعَلَتْهُ، فَهَذَا حَالِفٌ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، بَلْ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، كَمَا تَقَدَّمَ.
[فَصَلِّ الطَّلَاقُ الَّذِي يَقَعُ بِلَا رَيْبٍ]
فَصْلٌ
وَالطَّلَاقُ الَّذِي يَقَعُ بِلَا رَيْبٍ هُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَأَبَاحَهُ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا، أَوْ بَعْدَ مَا يَبِينُ حَمْلُهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً.
فَأَمَّا الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ: مِثْلُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْحَيْضِ، أَوْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ أَنْ يَطَأَهَا وَقَبْلَ أَنْ يَبِينَ حَمْلُهَا. فَهَذَا الطَّلَاقُ مُحَرَّمٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَتَنَازَعُوا فِيمَا يَقَعُ بِهَا، فَقِيلَ: يَقَعُ بِهَا الثَّلَاثُ، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ بِهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ فِي الْحَيْضِ وَبَعْدَ الْوَطْءِ، هَلْ يَلْزَمُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ، كَمَا لَا يَلْزَمُ النِّكَاحُ الْمُحَرَّمُ، وَالْبَيْعُ الْمُحَرَّمُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ» . وَثَبَتَ أَيْضًا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute