قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ فِي سَفَرِ كُلِّ طَاعَةٍ وَأَمَّا إمَاءُ الْمَرْأَةِ يُسَافِرْنَ مَعَهَا وَلَا يَفْتَقِرْنَ إلَى مَحْرَمٍ لِأَنَّهُ لَا مَحْرَمَ لَهُنَّ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، فَأَمَّا عُتَقَاؤُهَا مِنْ الْإِمَاءِ بَيَّضَ لِذَلِكَ أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُنَّ كَالْإِمَاءِ عَلَى مَا قَالَ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ مَحْرَمٌ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، أَوْ احْتِمَالِ عَكْسِهِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ وَمِلْكِ أَنْفُسِهِنَّ بِالْعِتْقِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ.
وَصَحَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ " أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُسَافِرُ لِلْحَجِّ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ، وَالْمَحْرَمُ زَوْجُ الْمَرْأَةِ أَوْ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ، وَلَوْ كَانَ النَّسَبُ وَطْءَ شُبْهَةٍ لَا زِنًا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّحْرِيمِ لَا الْمَحْرَمِيَّةِ اتِّفَاقًا، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْحَجُّ عَنْ الْمَرْأَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا الْعَكْسُ عَلَى قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَالْحَجُّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً.
وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ أَقَارِبُ مَحَاوِيجُ فَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُنَاكَ قَوْمٌ مُضْطَرُّونَ إلَى نَفَقَتِهِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ كِلَاهُمَا تَطَوُّعًا فَالْحَجُّ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَالِيَّةٌ وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ وَالْعَقِيقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ، لَكِنْ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ الْوَاجِبَ فِي الطَّرِيقِ وَيَتْرُكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَيُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَيَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَيُؤَدِّي الْأَمَانَةَ وَلَا يَتَعَدَّى عَلَى أَحَدٍ.
[فَصْلٌ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِحْرَامُ]
فَصْلٌ
وَيَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِنِيَّةِ النُّسُكِ مَعَ التَّلْبِيَةِ أَوْ سَوْقِ الْهَدْيِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَحَكَى قَوْلًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَيَحْرُمُ عَقِبَ فَرْضٍ إنْ كَانَ أَوْ نَفْلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ الِاشْتِرَاطُ إنْ كَانَ خَائِفًا وَإِلَّا فَلَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَالْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ إنْ سَاقَ هَدْيًا وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.
اعْتَمَرَ وَحَجَّ فِي سَفْرَتَيْنِ أَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute