للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ الثَّانِي: إنَّ حُصُولَ الْكِفَايَةِ الْمُرَتَّبِ بِهَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، حَتَّى لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْوَاقِفَ صَرَّحَ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَانَ شَرْطًا بَاطِلًا. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْمُرَتَّبَ بِهَا لَا يَرْتَزِقُ مِنْ غَيْرِهَا وَلَوْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ كِفَايَتُهُ، فَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ، فَإِنَّ حُصُولَ الْكِفَايَةِ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَتَحْصِيلُهَا لِلْمُسْلِمِ وَاجِبٌ، إمَّا عَلَيْهِ؛ وَإِمَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَصِحُّ شَرْطٌ يُخَالِفُ ذَلِكَ.

وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لَهُمْ الْكِفَايَةَ، وَلَكِنَّ ذَهَابَ بَعْضِ أَمْوَالِ الْوَقْفِ بِمَنْزِلَةِ تَلَفِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَالْوَقْفُ سَوَاءٌ شُبِّهَ بِالْجُعْلِ أَوْ بِالْأُجْرَةِ أَوْ بِالرِّزْقِ، فَإِنَّ مَا عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَعْمَلَ إذَا وَفَّى لَهُ بِمَا شَرَطَ لَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ رَجُل وَقَفَ وَقْفًا عَلَى مَسْجِدٍ وَأَكْفَانِ الْمَوْتَى وَشَرَطَ فِيهِ الْأَرْشَدَ فَالْأَرْشَدَ مِنْ وَرَثَتِهِ]

٨٥١ - ١٠ مَسْأَلَةٌ:

فِي رَجُلٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى مَسْجِدٍ، وَأَكْفَانِ الْمَوْتَى، وَشَرَطَ فِيهِ الْأَرْشَدَ فَالْأَرْشَدَ مِنْ وَرَثَتِهِ، ثُمَّ لِلْحَاكِمِ، وَشَرَطَ لِإِمَامِ الْمَسْجِدِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، وَالْمُؤَذِّنِ وَالْقَيِّمِ بِالتُّرْبَةِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، وَشَرَطَ لَهُمَا دَارَيْنِ لِسُكْنَاهُمَا، ثُمَّ إنَّ رِيعَ الْوَقْفِ زَادَ خَمْسَةَ أَمْثَالِهِ، بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ الْأَكْفَانُ إلَى زِيَادَةٍ، فَجَعَلَ لَهُمَا الْحَاكِمُ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، ثُمَّ اطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فَتَوَقَّفَ فِي أَنْ يَصْرِفَ عَلَيْهِمْ مَا زَادَ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُمَا تَنَاوُلُهُ؟ وَأَيْضًا الدَّارُ الْمَذْكُورَةُ انْهَدَمَتْ، فَأَحْكَرَهَا نَاظِرُ الْوَقْفِ كُلَّ سَنَةٍ بِدِرْهَمَيْنِ، فَعَمَرَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَأَجَرَهَا فِي السَّنَةِ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا. فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْإِحْكَارُ؟ .

أَجَابَ: نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْوَقْفِ الْفَائِضِ رِزْقَ مِثْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى ثُلُثَيْنِ، بَلْ إذَا كَانَا فَقِيرَيْنِ، وَلَيْسَ لِمَا زَادَ مَصْرِفٌ مَعْرُوفٌ: جَازَ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِمَا مِنْهُ تَمَامُ كِفَايَتِهِمَا.

وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَقْدِيرَ الْوَاقِفِ دَرَاهِمَ مُقَدَّرَةً فِي وَقْفِ مِقْدَارِ رِيعٍ، قَدْ يُرَادُ بِهِ النِّسْبَةُ: مِثْلَ أَنْ يَشْرِطَ لَهُ عَشَرَةً وَالْمُغَلُّ مِائَةٌ، وَيُرَادُ بِهِ الْعُشْرُ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ هَذَا عُمِلَ بِهِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ فِي الْعُرْفِ أَنَّ الْوَقْفَ إذَا كَانَ مَغَلُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَشَرَطَ لَهُ سِتَّةً ثُمَّ صَارَ خَمْسَمِائَةٍ، فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَشْرِطَ لَهُ أَضْعَافَ

<<  <  ج: ص:  >  >>