للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهٍ فَلَا يُمْكِنُ لِأَنَّ الْوُجُودَ الْوَاحِدَ إذَا كَانَ صِفَةً لِحَقِيقَتَيْنِ وَقِيلَ إنَّ الصِّفَةَ تَكُونُ حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةً فَلَا رَيْبَ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَهَا حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةً، وَكَوْنَهَا شَيْئًا وَاحِدًا وَهَؤُلَاءِ يَمْنَعُونَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْوَاحِدُ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةً، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ مَعْلُومُ الْفَسَادِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، هَذَا كُلُّهُ تَنَزُّلٌ مَعَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْحَالِ وَأَنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ فِي الْخَارِجِ زَائِدٌ عَلَى حَقَائِقِهَا الْمَوْجُودَةِ وَإِلَّا فَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ، وَإِنَّمَا ابْتَدَعَهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ الْمَعْدُومُ شَيْءٌ فِي الْخَارِجِ فَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ فَاسِدٌ.

[الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا]

الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ: إنَّهُ يُقَالُ هَبْ أَنَّهُ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مَعْنًى وَاحِدًا كَمَا قُلْتُمْ إنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ وَاحِدًا، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا وَقَدْ اعْتَرَفُوا بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الرَّازِيّ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ أَنَّهُ إمَّا مُمْتَنِعٌ أَوْ مُتَوَقِّفٌ فِي إمْكَانِهِ فَقَالَ وَأَمَّا الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَوَّلَ فِيهِ عَلَى الْإِجْمَاعِ لِلْحِكَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ نَصًّا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَقْلِيَّةٌ فَبَقِيَتْ الْمَسْأَلَةُ بِلَا دَلِيلٍ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ: أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ كَثِيرًا مَا يَزْعُمُونَ أَنَّ أَهْلَ الْإِثْبَاتِ يُضَاهُونَ النَّصَارَى، وَهَذَا يَقُولُونَهُ تَارَةً لِإِثْبَاتِهِمْ الصِّفَاتِ وَتَارَةً لِقَوْلِهِمْ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ أَنْزَلَهُ وَهُوَ فِي الْقُلُوبِ وَالْمَصَاحِفِ، وَالْجَهْمِيَّةُ هُمْ الْمُضَاهِئُونَ لِلنَّصَارَى فِيمَا كَفَّرَهُمْ اللَّهُ بِهِ لَا أَهْلُ الْإِثْبَاتِ الَّذِينَ ثَبَّتَهُمْ اللَّهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ.

فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي إثْبَاتِ الصِّفَاتِ فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ الْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْكَلَامِ فَإِنَّهُمْ تَارَةً يَقُولُونَ إذَا قُلْتُمْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ النَّصَارَى أَنَّ الْمَسِيحَ كَلِمَةُ اللَّهِ وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَتَارَةً يَقُولُونَ إذَا قُلْتُمْ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ فِي الصُّدُورِ وَالْمَصَاحِفِ فَقَدْ قُلْتُمْ بِقَوْلِ النَّصَارَى الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّ الْكَلِمَةَ حَلَّتْ فِي الْمَسِيحِ وَتَدَرَّعَتْهُ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي يَقُولُهُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَيْسَ إلَّا مَعْنًى فِي النَّفْسِ وَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ إلَى الْأَرْضِ كَلَامًا لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْغَرَضُ هُنَا الْكَلَامُ عَلَى هَؤُلَاءِ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَمَّا أَنْتُمْ فَضَاهَيْتُمْ النَّصَارَى فِي نَفْسِ مَا هُوَ ضَلَالٌ مِمَّا خَالَفُوهُ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ وَكَفَّرَهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ وَذَلِكَ يَتَبَيَّنُ بِمَا ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ مَذْهَبِ النَّصَارَى فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>