أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَجَعَلُوا يَرْغَبُونَ إلَيْهِمْ وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَيْهِمْ وَيَسْأَلُونَهُمْ، مَعَ مَعْصِيَتِهِمْ لِأَمْرِهِمْ وَمُخَالَفَاتِهِمْ لِسُنَّتِهِمْ، وَهَدَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ أَهْلَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، الَّذِينَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَاتَّبَعُوهُ فَلَمْ يَكُونُوا مِنْ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ، وَأَسْلَمُوا وُجُوهَهُمْ لِلَّهِ، وَأَنَابُوا إلَى رَبِّهِمْ، وَأَحَبُّوهُ وَرَجَوْهُ وَخَافُوهُ وَسَأَلُوهُ وَرَغِبُوا إلَيْهِ وَفَوَّضُوا أُمُورَهُمْ إلَيْهِ وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، وَأَطَاعُوا رُسُلَهُ وَعَزَّرُوهُمْ وَوَقَّرُوهُمْ وَأَحَبُّوهُمْ وَوَالُوهُمْ وَاتَّبَعُوهُمْ، وَاقْتَفَوْا آثَارَهُمْ وَاهْتَدَوْا بِمَنَارِهِمْ.
وَذَلِكَ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنْ الرُّسُلِ وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا إلَّا إيَّاهُ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الْعِبَادَةِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَيْهِ، وَيُكْمِلَهُ لَنَا وَيُمِيتَنَا عَلَيْهِ وَسَائِرَ إخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
[مَسْأَلَةٌ قَوْلِ النَّبِيِّ دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ]
١٠٦١ - ٣٧ وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧] . مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ»
مَا مَعْنَى هَذِهِ الدَّعْوَةِ؟ وَلِمَ كَانَتْ كَاشِفَةً لِلْكَرْبِ؟ وَهَلْ لَهَا شُرُوطٌ بَاطِنَةٌ عِنْدَ النُّطْقِ بِلَفْظِهَا؟ وَكَيْفَ مُطَابَقَةُ اعْتِقَادِ الْقَلْبِ لِمَعْنَاهَا.
حَتَّى يُوجِبَ كَشْفَ ضُرِّهِ؟ وَمَا مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ: {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧] مَعَ أَنَّ التَّوْحِيدَ يُوجِبُ كَشْفَ الضُّرِّ؟ وَهَلْ يَكْفِيهِ اعْتِرَافُهُ.
أَمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ وَالْعَزْمِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؟ وَمَا هُوَ السِّرُّ فِي أَنَّ كَشْفَ الضُّرِّ وَزَوَالَهُ يَكُونُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ عَنْ الْخَلْقِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِمْ؟ وَمَا الْحِيلَةُ فِي انْصِرَافِ الْقَلْبِ عَنْ الرَّجَاءِ لِلْمَخْلُوقِينَ وَالتَّعَلُّقِ بِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَتَعَلُّقِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرَجَائِهِ وَانْصِرَافِهِ إلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَا السَّبَبُ الْمُعِينُ عَلَى ذَلِكَ؟
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَفْظُ " الدُّعَاءِ وَالدَّعْوَةِ " فِي الْقُرْآنِ يَتَنَاوَلُ مَعْنَيَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute