ضَامِنًا لِمَا تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ؛ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ: إنْ شِئْت فَاسْكُنْ، وَإِنْ شِئْت فَلَا تَسْكُنْ؛ فَإِنَّ هَذَا عُدْوَانٌ مِنْهُ. فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُؤَجِّرِ بِالْعِمَارَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَكَانُ، وَاَلَّتِي هِيَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ. وَهَذِهِ الْعِمَارَةُ وَاجِبَةٌ مِنْ جِهَة حَقِّ أَهْلِ الْوَقْفِ وَمِنْ جِهَةِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ.
وَالْعُلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يُفَرِّطَ فِي الْعِمَارَةِ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا الْمُسْتَأْجِرُ. فَهَذَانِ التَّفْرِيطَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِمَا ضَمَانُ مَا يُكَفُّ بِتَفْرِيطِهِ، فَيَضْمَنُ مَالَ الْوَقْفِ لِلْوَقْفِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمَنَافِعُ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا الْمُسْتَأْجِرُ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْعَيْنُ بَاقِيَةً؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ إيَّاهَا وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ. وَأَمَّا مَا تَلِفَ بِالتَّفْرِيطِ مِنْ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ الَّتِي لِلْمُسْتَأْجِرِ فَيَضْمَنُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ لِلْجِيرَانِ مِنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ.
[مَسْأَلَةٌ فِي مَالٍ مَوْقُوفٍ عَلَى فِكَاكِ الْأَسْرَى]
٩١١ - ٧٠ مَسْأَلَةٌ:
فِي مَالٍ مَوْقُوفٍ عَلَى فِكَاكِ الْأَسْرَى؛ وَإِذَا اُسْتُدِينَ بِمَالٍ فِي ذِمَمِ الْأَسْرَى بِخَلَاصِهِمْ لَا يَجِدُونَ وَفَاءَهُ: هَلْ يَجُوزُ صَرْفُهُ مِنْ الْوَقْفِ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَدَانَهُ وَلِيُّ فِكَاكِهِمْ بِأَمْرِ نَاظِرِ الْوَقْفِ أَوْ غَيْرِهِ؟
الْجَوَابُ: نَعَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ بَلْ هُوَ الطَّرِيقُ فِي خَلَاصِ الْأَسْرَى أَجْوَدُ، مِنْ إعْطَاءِ الْمَالِ ابْتِدَاءً لِمَنْ يَفْتِكُهُمْ بِعَيْنِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُخَافُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُصْرَفُ فِي غَيْرِ الْفِكَاكِ. وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ مَصْرُوفٌ فِي الْفِكَاكِ قَطْعًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصْرَفَ عَيْنُ الْمَالِ فِي جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ، أَوْ يُصْرَفَ مَا اُسْتُدِينَ، كَمَا «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَارَةً يَصْرِفُ مَالَ الزَّكَاةِ إلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَتَارَةً يَسْتَدِينُ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ» ثُمَّ يَصْرِفُ الزَّكَاةَ إلَى أَهْلِ الدَّيْنِ. فَعُلِمَ أَنَّ الصَّرْفَ وَفَاءً كَالصَّرْفِ لِأَدَاءٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ رَجُلٍ تَحْتَهُ حِصَّةٌ فِي حَمَّامٍ وَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ]
٩١٢ - ٧١ مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ تَحْتَهُ حِصَّةٌ فِي حَمَّامٍ وَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينٍ فَخَرِبَ شَيْءٌ مِنْ الْحَمَّامِ فِي زَمَانِ الْعَدُوِّ. فَأَجَرَ تِلْكَ الْحِصَّةَ لِشَخْصٍ مُدَّةَ ثَمَانِ سِنِينَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ تِلْكَ الْأُجْرَةَ فِي الْعِمَارَةِ الضَّرُورِيَّةِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute