للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالشَّرْطِ، فَلَمْ يَقُلْ: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمْكُمْ، وَلَا قَالَ: فَيُعَلِّمْكُمْ، وَإِنَّمَا أَتَى بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَلَيْسَ مِنْ الْعَطْفِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوَّلَ سَبَبُ الثَّانِي. وَقَدْ يُقَالُ: الْعَطْفُ قَدْ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الِاقْتِرَانِ وَالتَّلَازُمِ، كَمَا يُقَالُ زُرْنِي وَأَزُورُك، وَسَلِّمْ عَلَيْنَا وَنُسَلِّمْ عَلَيْك، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي اقْتِرَانَ الْفِعْلَيْنِ، وَالتَّعَاوُضُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِسَيِّدِهِ اعْتِقْنِي وَلَك عَلَيَّ أَلْفٌ، أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ. أَوْ: اخْلَعْنِي وَلَك أَلْفٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا: بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ، أَوْ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ، فَإِنَّهُ كَقَوْلِهِ: عَلَى أَلْفٍ، أَوْ: بِأَلْفٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَوْلٌ شَاذٌّ، وَيَقُولُ أَحَدُ الْمُتَعَاوِضَيْنِ لِلْآخَرِ: أُعْطِيك هَذَا وَآخُذُ هَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ، فَيَقُولُ الْآخَرُ: نَعَمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا هُوَ السَّبَبَ لِلْآخَرِ دُونَ الْعَكْسِ. فَقَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٢] ، قَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَكُلٌّ مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ، وَتَقْوَى الْعَبْدِ يُقَارِبُ الْآخَرَ وَيُلَازِمُهُ وَيَقْتَضِيهِ، فَمَتَى عَلَّمَهُ اللَّهُ الْعِلْمَ النَّافِعَ اقْتَرَنَ بِهِ التَّقْوَى بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَمَتَى اتَّقَاهُ زَادَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَهَلُمَّ جَرًّا.

[فَصْلٌ التَّوَكُّل عَلَى اللَّهِ فِي الرِّزْقِ الْمُتَضَمِّن جَلْبَ الْمَنْفَعَةِ]

فَصْلٌ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْته فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، وَكُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَنْ كَسَوْته فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ» فَيَقْتَضِي أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ: أَحَدُهُمَا. وُجُوبُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِي الرِّزْقِ الْمُتَضَمِّنِ جَلْبَ الْمَنْفَعَةِ، كَالطَّعَامِ، وَدَفْعَ الْمَضَرَّةِ كَاللِّبَاسِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ غَيْرُ اللَّهِ عَلَى الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ قُدْرَةً مُطْلَقَةً. وَإِنَّمَا الْقُدْرَةُ الَّتِي تَحْصُلُ لِبَعْضِ الْعِبَادِ تَكُونُ عَلَى بَعْضِ أَسْبَابِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] . وَقَالَ: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: ٥] .

فَالْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْمَقْدُورُ لِلْعِبَادِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: ١٤] {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: ١٥] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: ١٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>