وَكَانَ نُوَّابُ " عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " كَاسْتِعْمَالِهِ عَلَى الْكُوفَةِ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ عَلَى الْحَرْبِ وَالصَّلَاةِ، وَابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى الْقَضَاءِ وَبَيْتِ الْمَالِ، وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى الْخَرَاجِ.
وَمِنْ هُنَا أَخَذَ النَّاسُ وِلَايَةَ الْحَرْبِ، وَوِلَايَةَ الْخَرَاجِ، وَوِلَايَةَ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا انْتَشَرَ الْمُؤْمِنُونَ وَغَلَبُوا الْكَافِرِينَ عَلَى الْبِلَادِ، وَفَتَحُوهَا، وَاحْتَاجُوا إلَى زِيَادَةٍ فِي التَّرْتِيبِ: وَضَعَ لَهُمْ " الدِّيوَانَ " دِيوَانَ الْخَرَاجِ لِلْمَالِ الْمُسْتَخْرَجِ، وَدِيوَانَ الْعَطَاءِ وَالنَّفَقَاتِ لِلْمَالِ الْمَصْرُوفِ، وَمَصَّرَ لَهُمْ الْأَمْصَارَ: فَمَصَّرَ الْكُوفَةَ وَالْبَصْرَةَ، وَمَصَّرَ الْفُسْطَاطَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْثِرْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ نَهْرٌ عَظِيمٌ كَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَالنِّيلِ؛ فَجَعَلَ هَذِهِ الْأَمْصَارَ مِمَّا يَلِيهِ.
[فَصْلٌ وَكَانَتْ مَوَاضِعُ الْأَئِمَّةِ وَمَجَامِعُ الْأُمَّةِ هِيَ الْمَسَاجِدُ]
ُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسَّسَ مَسْجِدَهُ الْمُبَارَكَ عَلَى التَّقْوَى: فَفِيهِ الصَّلَاةُ، وَالْقِرَاءَةُ، وَالذِّكْرُ؛ وَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ، وَالْخُطَبُ، وَفِيهِ السِّيَاسَةُ، وَعَقْدُ الْأَلْوِيَةِ وَالرَّايَاتِ، وَتَأْمِيرُ الْأُمَرَاءِ، وَتَعْرِيفُ الْعُرَفَاءِ، وَفِيهِ يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَهُ لِمَا أَهَمَّهُمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
وَكَذَلِكَ عُمَّالُهُ فِي: مِثْلِ مَكَّةَ، وَالطَّائِفِ، وَبِلَادِ الْيَمَنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى، وَكَذَلِكَ عُمَّالُهُ عَلَى الْبَوَادِي؛ فَإِنَّ لَهُمْ مَجْمَعًا فِيهِ يُصَلُّونَ، وَفِيهِ يُسَاسُونَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ؛ كُلَّمَا ذَهَبَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: أَوْفُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَكُمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» .
وَكَانَ " الْخُلَفَاءُ وَالْأُمَرَاءُ " يَسْكُنُونَ فِي بُيُوتِهِمْ، كَمَا يَسْكُنُ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ فِي بُيُوتِهِمْ؛ لَكِنَّ مَجْلِسَ الْإِمَامِ الْجَامِعِ هُوَ الْمَسْجِدُ الْجَامِعُ.
وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ قَدْ بَنَى لَهُ بِالْكُوفَةِ قَصْرًا، وَقَالَ: أَقْطَعُ عَنِّي النَّاسَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُحَرِّقَهُ، فَاشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ حُزْمَةَ حَطَبٍ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَهَا إلَى قَصْرِهِ، فَحَرَّقَهُ؛ فَإِنَّ عُمَرَ كَرِهَ لِلْوَالِي الِاحْتِجَابَ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ وَلَكِنْ بُنِيَتْ قُصُورُ الْأُمَرَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute