للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ لِحَجَرٍ مِنْ الْحِجَارَةِ إلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَلَا بِالصَّلَاةِ إلَى بَيْتٍ إلَّا الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَعَلَ لِلنَّاسِ حَجًّا إلَى غَيْرِ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، أَوْ صِيَامَ شَهْرٍ مَفْرُوضٍ غَيْرَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، فَصَخْرَة بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا يُسَنُّ اسْتِلَامُهَا وَلَا تَقْبِيلُهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ لَيْسَ لِلصَّلَاةِ عِنْدَهَا وَالدُّعَاءِ خُصُوصِيَّةٌ عَلَى سَائِرِ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةُ وَالدُّعَاءُ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَنَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَهَا.

وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا فَتَحَ الْبَلَدَ قَالَ لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ: أَيْنَ تَرَى أَنْ أَبْنِيَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: ابْنِهِ خَلْفَ الصَّخْرَةِ. قَالَ: خَالَطَتْكَ يَهُودِيَّةٌ يَا ابْنَ الْيَهُودِيَّةِ، بَلْ أَبْنِيهِ أَمَامَهَا، فَإِنَّ لَنَا صُدُورَ الْمَسَاجِدِ. فَبَنَى هَذَا الْمُصَلَّى الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ " الْأَقْصَى " وَلَمْ يَتَمَسَّحْ بِالصَّخْرَةِ وَلَا قَبَّلَهَا وَلَا صَلَّى عِنْدَهَا، كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُ لَمَّا قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ قَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُك لَمَا قَبَّلْتُكَ.

وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا أَتَى الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يَأْتِي الصَّخْرَةَ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ وَكَذَلِكَ حُجْرَةُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُجْرَةُ الْخَلِيلِ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمَدَافِنِ الَّتِي فِيهَا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ صَالِحٌ: لَا يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُهَا وَلَا التَّمَسُّحُ بِهَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، بَلْ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا السُّجُودُ لِذَلِكَ فَكُفْرٌ كَذَلِكَ خِطَابُهُ بِمِثْلِ مَا يُخَاطَبُ بِهِ الرَّبُّ، مِثْلُ: قَوْلِ الْقَائِلِ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَانْصُرْنِي عَلَى عَدُوِّي وَنَحْوِ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ الْأَشْجَارُ وَالْأَحْجَارُ وَالْعُيُونُ الَّتِي يُنْذَرُ لَهَا بَعْضُ الْعَامَّةِ]

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْأَشْجَارُ، وَالْأَحْجَارُ، وَالْعُيُونُ، وَنَحْوُهَا مِمَّا يَنْذِرُ لَهَا بَعْضُ الْعَامَّةِ أَوْ يُعَلِّقُونَ بِهَا خِرَقًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، أَوْ يَأْخُذُونَ وَرَقَهَا يَتَبَرَّكُونَ بِهِ، أَوْ يُصَلُّونَ عِنْدَهَا، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ وَهُوَ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمِنْ أَسْبَابِ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>