للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى، «وَقَدْ كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ شَجَرَةٌ يُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُسَمُّونَهَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ، كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، قُلْتُمْ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى اجْعَلْ لَنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، إنَّهَا السُّنَنُ، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْ، وَحَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي الطَّرِيقِ لَفَعَلْتُمُوهُ» .

وَقَدْ بَلَغَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ قَوْمًا يَقْصِدُونَ الصَّلَاةَ عِنْدَ الشَّجَرَةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَهَا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ الَّتِي بَايَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَهَا، فَأَمَرَ بِتِلْكَ الشَّجَرَةِ فَقُطِعَتْ، وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الدِّينِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ عِبَادَةً فِي بُقْعَةٍ مِنْ هَذِهِ الْبِقَاعِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَذْرًا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا مَزِيَّةَ لِلْعِبَادَةِ فِيهَا.

فَصْلٌ:

وَأَصْلُ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ بُقْعَةٌ تُقْصَدُ لِعِبَادَةِ اللَّهِ فِيهَا بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، إلَّا مَسَاجِدَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَشَاعِرَ الْحَجِّ، وَأَمَّا الْمَشَاهِدُ الَّتِي عَلَى الْقُبُورِ سَوَاءٌ جُعِلَتْ مَسَاجِدَ، أَوْ لَمْ تُجْعَلْ أَوْ الْمَقَامَاتُ الَّتِي تُضَافُ إلَى بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ الصَّالِحِينَ، أَوْ الْمَغَارَاتُ وَالْكُهُوفُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِثْلُ الطُّورِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى، وَمِثْلُ غَارِ حِرَاءَ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَنَّثُ فِيهِ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ، وَالْغَارُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: ٤٠] . وَالْغَارُ الَّذِي بِجَبَلِ قَاسِيُونَ بِدِمَشْقَ " الَّذِي يُقَالُ لَهُ " مَغَارَةُ الذَّمِّ " وَالْمَقَامَانِ اللَّذَانِ بِجَانِبَيْهِ الشَّرْقِيِّ وَالْغَرْبِيِّ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا مَقَامُ إبْرَاهِيمَ " وَيُقَالُ لِلْآخَرِ " مَقَامُ عِيسَى " وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْبِقَاعَ وَالْمَشَاهِدَ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا.

فَهَذِهِ لَا يُشْرَعُ السَّفَرُ إلَيْهَا لِزِيَارَتِهَا، وَلَوْ نَذَرَ نَاذِرٌ السَّفَرَ إلَيْهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَهُوَ يُرْوَى عَنْ غَيْرِهِمَا: أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>