هَذَا آخِرُ مَا وُجِدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْكَلَامِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ جَمَاعَةٍ اشْتَرَكُوا شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ بِغَيْرِ رِضَا بَعْضِهِمْ]
٨٣٦ - ٥ سُئِلَ: أَيْضًا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ جَمَاعَةٍ اشْتَرَكُوا شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ بِغَيْرِ رِضَا بَعْضِهِمْ، وَعَمِلُوا عَمَلًا مُجْتَمِعِينَ فِيهِ، وَعَمَلًا مُتَفَرِّقِينَ فِيهِ، فَهَلْ تَصِحُّ هَذِهِ الشَّرِكَةُ، وَمَا يَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ أُجْرَةِ مَا عَمِلَ، وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ لَا عَمَلَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةً عَنْ عَمَلِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَا مَنْ عَمِلَ.
أَجَابَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ الَّتِي تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ مِنْ الْعَمَلِ فِي ذِمَّتِهِمَا: كَأَهْلِ الصِّنَاعَاتِ مِنْ الْخِيَاطَةِ، وَالتِّجَارَةِ، وَالْحِيَاكَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الَّذِينَ تُقَدَّرُ أُجْرَتُهُمْ بِالْعَمَلِ لَا بِالزَّمَانِ، وَيُسَمَّى الْأَجِيرُ الْمُشْتَرِكَ، وَيَكُونُ الْعَمَلُ فِي ذِمَّةِ أَحَدِهِمْ بِحَيْثُ يَسُوغُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ.
وَالْعَمَلُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ كَدُيُونِ الْأَعْيَانِ، لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى عَيْنِهِ كَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ، فَهَؤُلَاءِ جَوَّزَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ اشْتِرَاكَهُمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَذَلِكَ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِجَاهِهِ شَيْئًا لَهُ وَلِشَرِيكِهِ كَمَا يَتَقَبَّلُ الشَّرِيكُ الْعَمَلَ لَهُ وَلِشَرِيكِهِ.
قَالُوا: وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَكَالَةِ: فَكُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ بِالْمِلْكِ، وَلِشَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهَا الشَّافِعِيُّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الشَّرِكَةُ شَرِكَةَ الْأَمْلَاكِ خَاصَّةً، فَإِذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي مَالٍ كَانَ لَهُمَا نَمَاؤُهُ وَعَلَيْهِمَا غُرْمُهُ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ شَرِكَةُ الْعِنَانِ مَعَ اخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَالَيْنِ، وَلَا يُجَوِّزُهَا إلَّا مَعَ خَلْطِ الْمَالَيْنِ. وَلَا يَجْعَلُ الرِّبْحَ إلَّا عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ.
وَالْجُمْهُورُ يُخَالِفُونَهُ فِي هَذَا وَيَقُولُونَ: الشَّرِكَةُ نَوْعَانِ: شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ، وَشَرِكَةُ عُقُودٍ، وَشَرِكَةُ الْعُقُودِ أَصْلًا لَا تَفْتَقِرُ إلَى شَرِكَةِ الْأَمْلَاكِ، كَمَا أَنَّ شَرِكَةَ الْأَمْلَاكِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى شَرِكَةِ الْعُقُودِ. وَإِنْ كَانَا قَدْ يَجْتَمِعَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute