للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُضَارَبَةُ شَرِكَةُ عُقُودٍ بِالْإِجْمَاعِ لَيْسَتْ شَرِكَةَ أَمْلَاكٍ، إذْ الْمَالُ لِأَحَدِهِمَا، وَالْعَمَلُ لِلْآخَرِ، وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهَا خِلَافُ الْقِيَاسِ، فَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ، وَهِيَ مِنْ بَابِ الْمُشَارَكَةِ لَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ الْخَاصَّةِ، وَهِيَ عَلَى وَفْقِ قِيَاسِ الْمُشَارَكَاتِ.

وَلَمَّا كَانَ مَبْنَى الشَّرِكَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ تَنَازَعُوا فِي الشَّرِكَةِ فِي اكْتِسَابِ الْمُبَاحَاتِ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوَكُّلِ فِيهَا، فَجَوَّزَ ذَلِكَ أَحْمَدُ، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ سَعْدٍ، وَعَمَّارٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ.

وَقَدْ يُقَالُ: هَذِهِ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي إذَا تَشَارَكَا فِيمَا يُؤَجِّرَانِ فِيهِ أَبْدَانَهُمَا وَدَابَّتَيْهِمَا إجَارَةً خَاصَّةً، فَفِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ قَوْلَانِ مُرَتَّبَانِ: وَالْبُطْلَانُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: كَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.

وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الضَّمَانُ بِذَلِكَ الِاشْتِرَاكِ عَلَى كَسْبِ الْمُبَاحِ، كَالِاصْطِيَادِ، وَالِاحْتِطَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى أَحَدِهِمَا مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي وَجَبَ عَلَى الْآخَرِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي نِتَاجِ مَاشِيَتِهِمَا وَتُرَاثِ بَسَاتِينِهِمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَمَنْ جَوَّزَهُ قَالَ: هُوَ مِثْلُ الِاشْتِرَاكِ فِي اكْتِسَابِ الْمُبَاحَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ هُنَاكَ فِي ذِمَّةِ أَحَدِهِمَا عَمَلٌ، وَلَكِنْ بِالشَّرِكَةِ صَارَ مَا يَعْمَلُهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ شَرِيكِهِ، وَكَذَلِكَ هُنَا مَا يَشْتَرِطُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْأُجْرَةِ، أَوْ شُرِطَ لَهُ مِنْ الْجُعْلِ هُوَ لَهُ وَلِشَرِيكِهِ، وَالْعَمَلُ الَّذِي يَعْمَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ شَرِيكِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ شَرِكَةَ الْعِنَانِ مَعَ عَدَمِ اخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ، وَمَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] .

وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَأَظُنُّ هَذَا قَوْلَ مَالِكٍ.

وَأَمَّا اشْتِرَاكُ الشُّهُودِ فَقَدْ يُقَالُ مِنْ مَسْأَلَةِ شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ الَّتِي تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>