للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصَلِّ قَوْلُ الْحَالِفِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي عَلَى مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ]

فَصْلٌ

وَأَمَّا قَوْلُ الْحَالِفِ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي عَلَى مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُلْزِمُهُ بِالطَّلَاقِ؛ لَا مَنْ يُجَوِّزُ فِي الْحَلِفِ بِهِ كَفَّارَةً. أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ: عَلَى مَذْهَبِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُلْزِمُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا عَلَى أَغْلَظِ قَوْلٍ قِيلَ فِي الْإِسْلَامِ. أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا أَنِّي لَا أَسْتَفْتِي مَنْ يُفْتِينِي بِالْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ. أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَا أَسْتَفْتِي مَنْ يُفْتِينِي بِحِلِّ يَمِينِي أَوْ رَجْعَةٍ فِي يَمِينِي. وَنَحْوِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَغْلُظُ فِيهَا اللُّزُومُ تَغْلِيظًا يُؤَكِّدُ بِهِ لُزُومَ الْمُعَلَّقِ عِنْدَ الْحِنْثِ؛ لِئَلَّا يَحْنَثَ فِي يَمِينِهِ؛ فَإِنَّ الْحَالِفَ عِنْدَ الْيَمِينِ يُرِيدُ تَأْكِيدَ يَمِينِهِ بِكُلَّمَا يَخْطِرُ بِبَالِهِ مِنْ أَسْبَابِ التَّأْكِيدِ، وَيُرِيدُ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ الْحِنْثِ فِيهَا بِكُلِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يُخْرِجُ هَذِهِ الْعُقُودَ عَنْ أَنْ تَكُونَ أَيْمَانًا مُكَفَّرَةً، وَلَوْ غَلَّظَ الْأَيْمَانَ الَّتِي شُرِعَ أَنَّ فِيهَا الْكَفَّارَةَ بِمَا غُلِّظَ، وَلَوْ قَصَدَ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِيهَا بِحَالٍ: فَذَلِكَ لَا يُغَيِّرُ شَرْعَ اللَّهِ. وَأَيْمَانُ الْحَالِفِينَ لَا تُغَيِّرُ شَرَائِعَ الدِّينِ؛ بَلْ مَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِهِ قَبْلَ يَمِينِهِ فَقَدْ أَمَرَ بِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَالْيَمِينُ مَا زَادَتْهُ إلَّا تَوْكِيدًا.

وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ أَحَدًا بِتَرْكِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ، وَلَا بِفِعْلِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ فَكَيْفَ إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ؟ ، وَهَذَا مِثْلُ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ: مِنْ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ، وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَطَاعَةِ السُّلْطَانِ، وَمُنَاصَحَتِهِ وَتَرْكِ الْخُرُوجِ، وَمُحَارَبَتِهِ، وَقَضَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ إلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَهَذِهِ الْأُمُورُ كَانَتْ قَبْلَ الْيَمِينِ وَاجِبَةً، وَهِيَ بَعْدَ الْيَمِينِ أَوْجَبُ.

وَمَا كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَ الْيَمِينِ فَهُوَ بَعْدَ الْيَمِينِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا؛ وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ يُبَايِعُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى طَاعَتِهِ وَالْجِهَادِ مَعَهُ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ وَلَوْ لَمْ يُبَايِعُوهُ، فَالْبَيْعَةُ أَكَّدَتْهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ مِثْلَ هَذَا الْعَقْدِ. وَكَذَلِكَ مُبَايَعَةُ السُّلْطَانِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَهَا وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ، فَكَيْفَ إذَا حَلَفَ؟ ، بَلْ لَوْ عَاقَدَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ عَلَى بَيْعٍ؛ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ نِكَاحٍ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَغْدِرَ بِهِ، وَلَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>