للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي اسْتِحْلَالِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَكَانَ هَذَا الْبَيَانُ عَقِيبَ آيَةِ الرِّبَا مُنَاسِبًا، لِأَنَّ الرِّبَا آخِرُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِيبَهُ مَا دَلَّ الْأُمَّةَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي يُسْتَبَاحُ بِهَا الْخَمْرُ، وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَغَيْرُهَا، ثُمَّ إنَّهُ أَخْبَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ هَذِهِ الْمَحَارِمَ يَنْحَلُونَهَا أَسْمَاءً غَيْرَ الْأَسْمَاءِ الْحَقِيقِيَّةِ يُمْسَخُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَكَذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ بِتَرْكِ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ، كُلِّهَا وَبِتَرْكِ الرِّيَبِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ أَنَّهَا بَيْعٌ حَلَالٌ، بَلْ يُمْكِنُ أَنَّهَا رِبًا، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى تَشَابُهِ مَعَانِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَتَوَافُقِهَا أَمْرًا وَإِخْبَارًا.

وَهَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا إذَا تَأَمَّلَهَا الْفَقِيهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مِشْكَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَلِمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَقِيقَةِ الْعُقُودِ وَمَقَاصِدِهَا الَّتِي تُؤَوَّلُ إلَيْهَا وَاَلَّتِي قُصِدَتْ بِهَا، وَأَنَّ الِاحْتِيَالَ لَا يُرْفَعُ بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ، وَهَذَا بَيِّنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ أَنَّ الْمَقَاصِدَ وَالِاعْتِقَادَاتِ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْعَادَاتِ]

الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ.

أَنَّ الْمَقَاصِدَ وَالِاعْتِقَادَاتِ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْعَادَاتِ، كَمَا هِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّقَرُّبَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، فَيَجْعَلُ الشَّيْءَ حَلَالًا، أَوْ حَرَامًا، أَوْ صَحِيحًا، أَوْ فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا مِنْ وَجْهٍ، فَاسِدًا مِنْ وَجْهٍ، كَمَا أَنَّ الْقَصْدَ فِي الْعِبَادَةِ يَجْعَلُهَا وَاجِبَةً، أَوْ مُسْتَحَبَّةً أَوْ مُحَرَّمَةً، أَوْ صَحِيحَةً، أَوْ فَاسِدَةً.

وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، مِنْهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: ٢٢٨] ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١] فَإِنَّ ذَلِكَ نَصٌّ فِي أَنَّ الرَّجْعَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ لِمَنْ قَصَدَ الصَّلَاحَ دُونَ الضِّرَارِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: ٢٢٩]- إلَى قَوْلِهِ: - {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩]- إلَى قَوْلِهِ - {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: ٢٣٠]

<<  <  ج: ص:  >  >>