للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ بِأَنَّ تَزَوُّجَهُ يُفْضِي إلَى اسْتِرْقَاقِ وَلَدِهِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ الْعَرَبِيِّ وَلَا الْعَجَمِيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَمْلُوكَةً، إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَإِذَا تَزَوَّجَهَا لِلضَّرُورَةِ كَانَ وَلَدُهُ مَمْلُوكًا.

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، فَالْمَانِعُ عِنْدَهُ أَنْ تَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَهُوَ يُفَرِّقُ فِي الِاسْتِرْقَاقِ بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا إذَا وَطِئَ الْأَمَةَ بِزِنًا، فَإِنَّ وَلَدَهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ غَيْرُ لَاحِقٍ، وَأَمَّا إذَا وَطِئَهَا بِنِكَاحٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا حُرَّةً أَوْ اسْتَبْرَأَهَا فَوَطِئَهَا بِظَنِّهَا مَمْلُوكَتَهُ، فَهُنَا وَلَدُهُ حُرٌّ، سَوَاءٌ كَانَ عَرَبِيًّا، أَوْ أَعْجَمِيًّا هَذَا يُسَمَّى الْمَغْرُورَ، فَوَلَدُ الْمَغْرُورِ مِنْ النِّكَاحِ أَوْ الْبَيْعِ حُرٌّ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَةً حُرَّةً أَوْ مَمْلُوكَتَهُ، وَعَلَيْهِ الْفِدَاءُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ، كَمَا قَضَتْ بِذَلِكَ الصَّحَابَةُ، لِأَنَّهُ فَوَّتَ سَيِّدُ الْأَمَةِ مِلْكَهُمْ، فَكَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَفِي ذَلِكَ تَفْرِيعٌ وَنِزَاعٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ التَّزْوِيج بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ]

٤٤٠ - ٤٢ - مَسْأَلَةٌ:

فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: ٢٢١] ، وَقَدْ أَبَاحَ الْعُلَمَاءُ التَّزْوِيجَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ، فَهَلْ هُمَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمْ لَا؟

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ جَائِزٌ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥] .

وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ نِكَاحَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَعْظَمَ مِمَّنْ تَقُولُ: إنَّ رَبَّهَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَهُوَ الْيَوْمُ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَقَدْ احْتَجُّوا بِالْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَبِقَوْلِهِ: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] .

وَالْجَوَابُ عَنْ آيَةِ الْبَقَرَةِ، مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ أَهْلَ الْكِتَابِ غَيْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>