للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ.

وَالْإِجَارَةُ قَدْ لَا تَكُونُ لَازِمَةً، كَمَا إذَا قَالَ: آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَكُلَّمَا دَخَلَ شَهْرٌ فَلَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ - وَالْجَعَالَةُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَلَيْسَتْ عَقْدًا لَازِمًا - فَالْعَقْدُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا وَقْتَ لَهُ لَا يَكُونُ لَازِمًا وَأَمَّا الْمُوَقَّتُ فَقَدْ يَكُونُ لَازِمًا.

[فَصْلٌ إجَارَةُ الْأَرْضِ بِجِنْسِ الطَّعَامِ الْخَارِجِ مِنْهَا]

فَصْلٌ وَأَمَّا إجَارَةُ الْأَرْضِ بِجِنْسِ الطَّعَامِ الْخَارِجِ مِنْهَا: كَإِجَارَةِ الْأَرْضِ لِمَنْ يَزْرَعُهَا حِنْطَةً، أَوْ شَعِيرًا، بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، فَهُوَ أَيْضًا جَائِزٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ.

وَفِي الْأُخْرَى يُنْهَى عَنْهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ - قَالُوا: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِجَارَةِ هُوَ الطَّعَامُ فَهُوَ فِي مَعْنَى بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ، وَقَالُوا: هُوَ مِنْ الْمُخَابَرَةِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ جُزَافًا.

وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ هُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْأَرْضِ وَلِهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الزَّرْعِ وَلَمْ يَزْرَعْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَالطَّعَامُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِ وَبَذْرِهِ، وَبَذْرُهُ لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ الْمُؤَجِّرُ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الرِّبَا فِي شَيْءٍ - وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَسْتَأْجِرَ قَوْمًا لِيُسْتَخْرَجُوا لَهُ مَعْدِنَ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ رِكَازًا مِنْ الْأَرْضِ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، فَلَيْسَ هَذَا كَبَيْعِ الدَّرَاهِمِ بِدَرَاهِمَ.

وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَشُقُّ الْأَرْضَ وَيَبْذُرُ فِيهَا وَيَسْقِيهَا بِطَعَامٍ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَبْذُرَ لَهُ طَعَامًا فَهَذَا مِثْلُ ذَلِكَ.

وَالْمُخَابَرَةُ الَّتِي نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَسَّرَهَا رَافِعٌ رَاوِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا الْمُزَارَعَةُ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ زَرْعُ بُقْعَةٍ بِعَيْنِهَا.

وَلَكِنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَ الْمُزَارَعَةَ كُلَّهَا مِنْ الْمُخَابَرَةِ كَأَبِي حَنِيفَةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُزَارَعَةُ عَلَى الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ مِنْ الْمُخَابَرَةِ كَالشَّافِعِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُزَارَعَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ مِنْ الْمُخَابَرَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كِرَاءُ الْأَرْضِ بِجِنْسِ الْخَارِجِ مِنْهَا مِنْ الْمُخَابَرَةِ كَمَالِكٍ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُخَابَرَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا كَمَا فَسَّرَهَا بِهِ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ إذَا نَظَرَ فِيهِ ذُو الْبَصِيرَةِ بِالْحَلَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>