للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيِّنَاتٌ مِمَّا شَاهِدُوهُ وَوَجَدُوهُ، وَمِمَّا عَقَلُوهُ وَعَمِلُوهُ، وَذَلِكَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ هُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَأَمَّا حُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فَهُمْ رُسُلُهُ، وَإِلَّا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ فِيهَا مِنْ الدَّلَائِلِ وَالِاعْتِبَارَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّوَاهِدِ الْحِسِّيَّةِ الْكَشْفِيَّةِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ وَجَدَ ذَلِكَ، وَقِيَامُ بَنِي آدَمَ وَكَشْفُهُمْ تَابِعٌ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا مُخَالِفَ لَهُ، وَمَعَ كَوْنِهِ حَقًّا فَلَا يُفَصَّلُ الْخِلَافُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ التَّصْدِيقُ بِهِ، كَمَا يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِمَا عُرِفَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ، وَهُوَ كَلَامُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ.

وَلَكِنْ مَنْ حَصَلَ لَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ بَصِيرَةٌ أَوْ قِيَاسٌ أَوْ بُرْهَانٌ كَانَ ذَلِكَ نُورًا عَلَى نُورٍ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: بَصِيرَةُ الْمُؤْمِنِ تَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ فِيهَا بِأَثَرٍ.

فَإِذَا جَاءَ الْأَثَرُ كَانَ نُورًا عَلَى نُورٍ {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٤٠] قَالَ تَعَالَى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: ٢١٣] .

[هَلْ يَتَكَلَّمُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ]

٣٩٤ - ٣٤ - سُئِلَ: هَلْ يَتَكَلَّمُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ؟ أَمْ لَا؟

الْجَوَابُ: يَتَكَلَّمُ، وَقَدْ يَسْمَعُ أَيْضًا مَنْ كَلَّمَهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّهُمْ يَسْمَعُونَ قَرْعَ نِعَالِهِمْ» وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ الْمَيِّتَ يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ: فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّك؟ وَمَا دِينُك؟ وَمَنْ نَبِيُّك؟ فَيُثَبِّتُ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، فَيَقُولُ: اللَّهُ رَبِّي، وَالْإِسْلَامُ دِينِي، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي، وَيُقَالُ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَآمَنَّا بِهِ، وَاتَّبَعْنَاهُ» . وَهَذَا تَأْوِيلُ قَوْله تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧] وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>