وَهَذَا يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ حَدَثٍ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَاءَ مِنْ الْغَائِطِ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: لَمْ أُصَلِّ، فَأَتَوَضَّأُ» فَإِنَّ هَذَا يَنْفِي وُجُوبَ الْوُضُوءِ، وَيَنْفِي أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالْوُضُوءِ لِأَجْلِ مُجَرَّدِ الْأَكْلِ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا اسْتَحَبَّ الْوُضُوءَ لِلْأَكْلِ إلَّا إذَا كَانَ جُنُبًا، وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الْأَكْلِ هَلْ يُكْرَهُ أَوْ يُسْتَحَبُّ عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ.
فَمَنْ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ احْتَجَّ بِحَدِيثِ «سَلْمَانَ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَرَأْت فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ مِنْ بَرَكَةِ الطَّعَامِ الْوُضُوءَ قَبْلَهُ، وَالْوُضُوءَ بَعْدَهُ» وَمَنْ كَرِهَهُ قَالَ: لِأَنَّ هَذَا خِلَافُ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَوَضَّئُونَ قَبْلَ الْأَكْلِ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ، فَيُكْرَهُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ فَقَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَدْ يُقَالُ: كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَلِهَذَا كَانَ يَسْدُلُ شَعْرَهُ مُوَافَقَةً، ثُمَّ فَرَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا صَامَ عَاشُورَاءَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ إنَّهُ قَالَ قَبْلَ مَوْتِهِ: «لَئِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» يَعْنِي مَعَ الْعَاشِرِ؛ لِأَجْلِ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ.
[فَصْلٌ الْمُوَاظَبَة عَلَى مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ فِي عِبَادَتِهِ وَعَادَتِهِ]
فَصْلٌ وَأَمَّا سُؤَالُ السَّائِلِ عَنْ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِبَادَتِهِ وَعَادَتِهِ هَلْ هِيَ سُنَّةٌ؟ أَمْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الرَّاتِبِينَ؟ فَيُقَالُ: الَّذِي نَحْنُ مَأْمُورُونَ بِهِ هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُطِيعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا أَمَرَنَا بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ذَكَرَ طَاعَتَهُ فِي أَكْثَرِ مِنْ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠] . وَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: ٦٤] .
وَقَدْ أَوْجَبَ السَّعَادَةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ بِقَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩] وَعَلَّقَ السَّعَادَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute