للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْيَمِينِ.

وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَحْكَامَ الطَّلَاقِ، وَأَحْكَامَ الْأَيْمَانِ. وَإِذَا قَالَ: إنْ سَرَقْت. إنْ زَنَيْت: فَأَنْتَ طَالِقٌ. فَهَذَا قَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقَامُهَا مَعَ هَذَا الْفِعْلِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ طَلَاقِهَا؛ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ زَجْرُهَا وَتَخْوِيفُهَا لِئَلَّا تَفْعَلَ: فَهَذَا حَالِفٌ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَقَدْ يَكُونُ قَصْدُهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِرَاقُهَا أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الْمَقَامِ مَعَهَا مَعَ ذَلِكَ، فَيَخْتَارُ إذَا فَعَلَتْهُ أَنْ تَطْلُقَ مِنْهُ: فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصَلِّ الطَّلَاق فِي الْحَيْضِ]

فَصْلٌ: أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ وَهِيَ حَائِضٌ، فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ فِي تَحْرِيمِهِ نِزَاعٌ، وَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ.

وَأَمَّا طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَا يَمَسُّهَا فِيهِ، أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا؛ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ؛ أَوْ بَعْدَ مَا وَطِئَهَا وَقَبْلَ أَنْ يَسْتَبِينَ حَمْلُهَا لَهُ: فَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: ١] .

وَفِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ فِيهَا النِّسَاءُ» .

وَأَمَّا جَمْعُ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: مُحَرَّمٌ أَيْضًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: تَدَبَّرْت الْقُرْآنَ فَإِذَا كُلُّ طَلَاقٍ فِيهِ فَهُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ - يَعْنِي طَلَاقَ الْمَدْخُولِ بِهَا - غَيْرَ قَوْلِهِ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠]

<<  <  ج: ص:  >  >>