الْمَذَاهِبِ عَنْ الْحُكْمِ بِمَالِ مِثْلِ هَذَا لِبَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْإِقْرَارِ عِنْدَهُمْ إقْرَارُ تَلْجِئَةٍ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا فِي السَّابِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ عَنْ الْعُمْرَةِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ]
١٠٦٥ - ٤١ مَسْأَلَةٌ: عَنْ الْعُمْرَةِ، هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ؟ وَإِنْ كَانَ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟ .
فَصْلٌ:
الْعُمْرَةُ فِي وُجُوبِهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُمَا وُجُوبُهَا، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: لَا تَجِبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَهَذَا الْقَوْلُ أَرْجَحُ فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَوْجَبَ الْحَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] لَمْ يُوجِبْ الْعُمْرَةَ كَمَا أَوْجَبَ إتْمَامَهَا بِقَوْلِهِ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] إيجَابُ الْإِتْمَامِ وَأَوْجَبَ إتْمَامَهُمَا، وَفِي الِابْتِدَاءِ إنَّمَا أَوْجَبَ الْحَجَّ، وَهَكَذَا سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لَيْسَ فِيهَا إلَّا إيجَابُ الْحَجِّ؛ وَلِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَ فِيهَا جِنْسُ غَيْرِ مَا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهَا إحْرَامٌ وَإِحْلَالٌ وَطَوَافٌ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
وَهَذَا كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي الْحَجِّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَفْعَالُ الْحَجِّ لَمْ يَفْرِضْ اللَّهُ مِنْهَا شَيْئًا مَرَّتَيْنِ، فَلَمْ يَفْرِضْ وَقُوفَيْنِ وَلَا طَوَافَيْنِ وَلَا سَعْيَيْنِ، وَلَا فَرَضَ الْحَجَّ مَرَّتَيْنِ، فَطَوَافُ الْوَدَاعِ لَيْسَ بِرُكْنٍ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ، وَلَكِنْ كُلُّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ عَلَيْهِ أَنْ يُوَدِّعَ، وَلِهَذَا مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ لَا يُوَدِّعُ عَلَى الصَّحِيحِ، فَوُجُوبُهُ لِيَكُونَ آخِرَ عَهْدِ الْخَارِجِ بِالْبَيْتِ كَمَا وَجَبَ الدُّخُولُ بِالْإِحْرَامِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ لِسَبَبٍ عَارِضٍ، لَا لِكَوْنِ ذَلِكَ وَاجِبًا بِالْإِسْلَامِ كَوُجُوبِ الْحَجِّ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ الْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَمِرُونَ بِمَكَّةَ لَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلَى عَهْدِ خُلَفَائِهِ، بَلْ لَمْ يَعْتَمِرْ أَحَدٌ عُمْرَةً بِمَكَّةَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عَائِشَةُ وَحْدَهَا لِسَبَبٍ عَارِضٍ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute