للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْأَرْضِ، وَيُبْنَى تَحْتَهُ سِقَايَةٌ لِلْمَصْلَحَةِ.

وَإِنْ تَنَازَعَ الْجِيرَانُ.

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَحْنُ شُيُوخٌ لَا نَصْعَدُ فِي الدَّرَجِ، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ بِنَاءَهُ.

فَقَالَ أَحْمَدُ: يُنْظَرُ إلَى مَا يَخْتَارُ الْأَكْثَرُ.

وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ ابْتَدَأَ الْبِنَاءَ، وَمُحَقِّقُو أَصْحَابِهِ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ خَطَأٌ، لِأَنَّ نُصُوصَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ صَرِيحَةٌ بِتَحْوِيلِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا كَانَ أَحْمَدُ قَدْ أَفْتَى بِمَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ، حَيْثُ جَعَلُوا الْمَسْجِدَ غَيْرَ الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ سَائِرِ الْبِقَاعِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَأَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا»

فَإِذَا جَازَ جَعْلُ الْبُقْعَةِ الْمُحْتَرَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، بُقْعَةً غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ لِلْمَصْلَحَةِ، فَلَأَنْ يَجُوزَ جَعْلُ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مُحْتَرَمَةً: كَالطَّرِيقِ الْوَاسِعِ.

بُقْعَةً مُحْتَرَمَةً وَتَابِعَةً لِلْبُقْعَةِ الْمُحْتَرَمَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَسَاجِدِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الطُّرُقَاتِ.

وَكِلَاهُمَا مَنْفَعَةٌ مُشْتَرَكَةٌ.

[فَصْلٌ وَالْأُمُورُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْإِمَامِ مُتَعَلِّقَةٌ بِنُوَّابِهِ]

ِ فَمَا كَانَ إلَى الْحُكَّامِ، فَأَمْرُ الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ نَائِبُ الْإِمَامِ فِيهِ، كَأَمْرِ الْإِمَامِ مِثْلُ: تَزْوِيجِ الْأَيَامَى، وَالنَّظَرِ فِي الْوُقُوفِ وَإِجْرَائِهَا عَلَى شُرُوطِ وَاقِفِيهَا، وَعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَوُقُوفِهَا حَيْثُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ فِعْلُ ذَلِكَ فَمَا جَازَ لِلْإِمَامِ التَّصَرُّفُ فِيهِ جَازَ لِنَائِبِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي شَاعَ فِيهَا النِّزَاعُ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى نَائِبِهِ مِنْ حَاكِمٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَنْقُضَ مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ وَنُوَّابُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبِنَاءُ فِي الطَّرِيقِ، وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالطَّرِيقِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَكَذَلِكَ فِنَاءُ الدَّارِ.

وَلَكَ هَلْ الْفِنَاءُ مِلْكٌ لِصَاحِبِ الدَّارِ، أَوْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهَا فِيهِ؟ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، حَتَّى قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَفْنِيَةِ الَّتِي فِي الطَّرِيقِ، يُكْرِيهَا أَهْلُهَا، فَقَالَ: إنْ كَانَتْ ضَيِّقَةً تَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>