للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِمَنْ يُجَوِّزُ الْحِيَلَ فِي بَابِ الْأَثْمَانِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ فُنُونٌ كَثِيرَةٌ يُعَلِّقُونَ الْحُكْمَ فِيهَا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى الْمَقْصُودِ، فَيَقَعُونَ فِي مِثْلِ مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْيَهُودُ سَوَاءً، إلَّا أَنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ مِنْ جِهَةِ الْحَالِفِ، وَالْمَنْعَ هُنَا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ رَحِمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ - بِأَنَّ نَبِيَّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبَّهَهُمْ عَلَى مَا لُعِنَتْ بِهِ الْيَهُودُ، وَكَانَ السَّابِقُونَ مِنْهَا فُقَهَاءَ أَتْقِيَاءَ عَلِمُوا مَقْصُودَ الشَّارِعِ، فَاسْتَقَرَّتْ الشَّرِيعَةُ بِتَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ الدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ بُدِّلَتْ صُوَرُهَا، وَبِتَحْرِيمِ أَثْمَانِهَا - لَطَرَقَ الشَّيْطَانُ لِأَهْلِ الْحِيَلِ مَا طَرَقَ لَهُمْ فِي الْأَثْمَانِ وَنَحْوِهَا. إذْ الْبَابَانِ بَابٌ وَاحِدٌ عَلَى مَا لَا يَخْفَى، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا فَعَلَتْهُ الْيَهُودُ، وَبَيْنَ أَنْ يُرِيدَ رَجُلٌ أَنْ يَهَبَ رَجُلًا شَيْئًا مِنْ مَالِهِ ثَوْبًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ دَارًا، فَيُرِيدَ أَنْ يَقْطَعَ عَنْهُ مِنَّتَهُ، فَيَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا آخُذُ هَذَا الثَّوْبَ، فَيُبَاعَ ذَلِكَ الثَّوْبُ، وَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ، أَوْ يُفَصِّلَ قَمِيصًا، ثُمَّ يَأْخُذَهُ وَيَقُولَ: مَا أَخَذْت الثَّوْبَ، وَإِنَّمَا أَخَذْت ثَمَنَهُ، أَوْ أَخَذْتُ قَمِيصًا؟ هَذَا تَأْوِيلُ الْيَهُودِ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ الْحَالِفَ أَرَادَ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ مَنْعًا يُوجِبُ الْحِنْثَ بِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَرَادَ مَنْعَ عِبَادِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُحَرَّمِ مَنْعًا يُوجِبُ الْحِنْثَ بِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ أَكْثَرَ الْحِيَلِ وَجَدَهَا عِنْدَ الْحَقِيقَةِ تَعُودُ إلَى مَا يُشْبِهُ هَذَا.

وَمِمَّا ذُكِرَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ فِعْلَ أَرْبَابِ الْحِيَلِ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْيَهُودِ الَّذِي لُعِنُوا عَلَيْهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.

[الْوَجْهُ الْعَاشِرُ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا]

الْوَجْهُ الْعَاشِرُ

وَهُوَ مَا رَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ، فَتَذَاكَرْنَا الطَّلَاقَ. فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ عِنْدِ: " يُعْزَفُ إلَى آخِرِهِ ". وَإِسْنَادُ ابْنِ مَاجَهْ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ صَحِيحٌ، وَسَائِرُ إسْنَادِهِ حَسَنٌ، فَإِنَّ حَاتِمَ بْنَ حُرَيْثٍ شَيْخٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>