للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحِينَئِذٍ فَشَرْطُ كَوْنِهِ هِلَالًا وَشَهْرًا شُهْرَتُهُ بَيْنَ النَّاسِ. وَاسْتِهْلَالُ النَّاسِ بِهِ حَتَّى لَوْ رَآهُ عَشَرَةٌ، وَلَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْبَلَدِ، لِكَوْنِ شَهَادَتِهِمْ مَرْدُودَةً، أَوْ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِهِ، كَانَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَمَا لَا يَقِفُونَ وَلَا يَنْحَرُونَ وَلَا يُصَلُّونَ الْعِيدَ إلَّا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَذَلِكَ لَا يَصُومُونَ إلَّا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» .

وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ: يَصُومُ مَعَ الْإِمَامِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ. قَالَ أَحْمَدُ: يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ. وَعَلَى هَذَا تَفْتَرِقُ أَحْكَامُ الشَّهْرِ: هَلْ هُوَ شَهْرٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَلَدِ كُلِّهِمْ؟ أَوْ لَيْسَ شَهْرًا فِي حَقِّهِمْ كُلِّهِمْ؟ يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] .

فَإِنَّمَا أَمَرَ بِالصَّوْمِ مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ، وَالشُّهُودُ لَا يَكُونُ إلَّا لِشَهْرٍ اُشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ، حَتَّى يُتَصَوَّرَ شُهُودُهُ، وَالْغَيْبَةُ عَنْهُ.

وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، وَصُومُوا مِنْ الْوَضَحِ إلَى الْوَضَحِ» .

وَنَحْوُ ذَلِكَ خِطَابٌ لِلْجَمَاعَةِ، لَكِنْ مَنْ كَانَ فِي مَكَان لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ، إذَا رَآهُ صَامَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ غَيْرُهُ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أَفْطَرَ ثُمَّ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ رُئِيَ فِي مَكَان آخَرَ أَوْ ثَبَتَ نِصْفَ النَّهَارِ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. فَإِنَّهُ إنَّمَا صَارَ شَهْرًا فِي حَقِّهِمْ مِنْ حِينِ ظَهَرَ، وَاشْتُهِرَ. وَمِنْ حِينَئِذٍ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ كَأَهْلِ عَاشُورَاءَ: الَّذِينَ أُمِرُوا بِالصَّوْمِ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْقَضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَحَدِيثُ الْقَضَاءِ ضَعِيفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. -

[أَهْل مَدِينَةٍ رَأَى بَعْضُهُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ حَاكِمِهَا]

٣٣٣ - ٣ وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عَنْ أَهْلِ مَدِينَةٍ رَأَى بَعْضُهُمْ هِلَالَ ذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>