وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ نَقْصٍ» : أَيْ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ ".
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يَخْتَصُّ بِسَفَرٍ دُونَ سَفَرٍ؟ أَمْ يَجُوزُ فِي كُلِّ سَفَرٍ؟ وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي كُلِّ سَفَرٍ قَصِيرًا كَانَ أَوْ طَوِيلًا، كَمَا قَصَرَ أَهْلُ مَكَّةَ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَةَ وَمِنًى، وَبَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَةَ نَحْوَ بَرِيدِ أَرْبَعِ فَرَاسِخَ.
وَأَيْضًا فَلَيْسَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَخُصَّانِ بِسَفَرٍ دُونَ سَفَرٍ، وَلَا تُقْصَرُ وَلَا يُفْطِرُ، وَلَا تَيَمُّمَ وَلَمْ يَحُدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَافَةَ الْقَصْرِ بِحَدٍّ، لَا زَمَانِيٍّ، وَلَا مَكَانِيٍّ، وَالْأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ فِي ذَلِكَ مُتَعَارِضَةٌ، لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ، وَهِيَ مُتَنَاقِضَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَحُدَّ ذَلِكَ بِحَدٍّ صَحِيحٍ.
فَإِنَّ الْأَرْضَ لَا تُذَرَّعُ بِذَرْعٍ مَضْبُوطٍ فِي عَامَّةِ الْأَسْفَارِ، وَحَرَكَةُ الْمُسَافِرِ تَخْتَلِفُ.
وَالْوَاجِبُ أَنْ يُطْلَقَ مَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُقَيَّدَ مَا قَيَّدَهُ، فَيَقْصُرُ الْمُسَافِرُ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ سَفَرٍ وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسَّفَرِ مِنْ الْقَصْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
وَمَنْ قَسَّمَ الْأَسْفَارَ إلَى قَصِيرٍ وَطَوِيلٍ، وَخَصَّ بَعْضُ الْأَحْكَامِ بِهَذَا وَبَعْضُهَا بِهَذَا، وَجَعَلَهَا مُتَعَلِّقَةً بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ، فَلَيْسَ مَعَهُ حُجَّةٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ]
٢٨٦ - ٢٠٢ - سُئِلَ: إذَا سَافَرَ إنْسَانٌ سَفَرًا مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ أَمْ لَا؟ .
أَجَابَ: وَأَمَّا الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ؛ بَلْ أَرْبَعَةٌ؛ بَلْ خَمْسَةٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.