الْعَفْوُ لَازِمًا؛ بَلْ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِالدِّيَةِ فِي قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَبِالدَّمِ فِي قَوْلٍ آخَرَ. وَسَوَاءٌ قِيلَ: هَذَا الشَّرْطُ صَحِيحٌ؛ أَمْ فَاسِدٌ. وَسَوَاءٌ قِيلَ: يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِفَسَادِهِ، أَوْ لَا يَفْسُدُ؛ فَإِنَّ ذَيْنِكَ الْقَوْلَيْنِ مَبْنِيَّانِ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ.
[مَسْأَلَةٌ صَبِيّ دُونَ الْبُلُوغِ جَنَى جِنَايَةً]
٦٧٦ - ٣٠ - مَسْأَلَةٌ:
فِي صَبِيٍّ دُونَ الْبُلُوغِ جَنَى جِنَايَةً يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا دِيَةٌ: مِثْلُ أَنْ يَكْسِرَ سِنًّا، أَوْ يَفْقَأَ عَيْنًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ خَطَأً. فَهَلْ لِأَوْلِيَاءِ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذُوا دِيَةَ الْجِنَايَةِ مِنْ أَبِي الصَّبِيِّ وَحْدَهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا؟ أَمْ يَطْلُبُوهَا مِنْ عَمِّ الصَّبِيِّ أَوْ ابْنِ عَمِّهِ؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ خَطَأً فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِلَا رَيْبٍ؛ كَالْبَالِغِ وَأَوْلَى. وَإِنْ فَعَلَ عَمْدًا فَعَمْدُهُ خَطَأٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ عَنْهُ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ عَمْدَهُ إذَا كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ فِي مَالِهِ.
وَأَمَّا الْعَاقِلَةُ الَّتِي تَحْمِلُ، فَهُمْ عَصَبَتُهُ: كَالْعَمِّ وَبَنِيهِ، وَالْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا أَبُو الرَّجُلِ وَابْنُهُ فَهُوَ مِنْ عَاقِلَتِهِ أَيْضًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: أَبُوهُ وَابْنُهُ لَيْسَا مِنْ الْعَاقِلَةِ.
وَاَلَّذِي " تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ " بِالِاتِّفَاقِ مَا كَانَ فَوْقَ ثُلُثِ الدِّيَةِ: مِثْلَ قَلْعِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ: وَأَمَّا دُونَ الثُّلُثِ: كَدِيَةِ السِّنِّ: وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَدِيَةُ الْأُصْبُعِ وَهِيَ عُشْرُ الدِّيَةِ: فَهَذَا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ؛ بَلْ هُوَ فِي مَالِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَحْمِلُ مَا دُونَ دِيَةِ السِّنِّ وَالْمُوضِحَةِ، وَهُوَ الْمُقَدَّرُ كَأَرْشِ الشَّجَّةِ الَّتِي دُونَ الْمُوضِحَةِ. وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ شَيْءٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَمَلَهُ عَنْهُ أَبُوهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ؛ وَلَيْسَ عَلَى أَبِيهِ شَيْءٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute