للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ كَالطَّحَاوِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، «عَنْ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْتَنْكِهُوهُ لِيَعْلَمُوا هَلْ هُوَ سَكْرَانٌ أَمْ لَا» ، فَإِنْ كَانَ سَكْرَانًا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ عُلِمَ أَنَّ أَقْوَالَهُ بَاطِلَةٌ كَأَقْوَالِ الْمَجْنُونِ؛ وَلِأَنَّ السَّكْرَانَ - وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا فِي الشُّرْبِ فَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ: «وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مُحَرَّمًا جَعَلَهُ مَجْنُونًا. فَإِنَّ جُنُونَهُ وَإِنْ حَصَلَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ وَمَقَاصِدَهَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّوَابُ.

وَإِنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِالسَّكْرَانِ قَوْلٌ لَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ مُحَقِّقِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، كَأَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ، وَأَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ، يَجْعَلُونَ الشَّرَائِعَ فِي النَّشْوَانِ، فَأَمَّا الَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بِلَا رَيْبٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا مِمَّنْ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، كَمَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَمَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ]

٥٤٨ - ١١ - مَسْأَلَةٌ:

فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ: هَذَا مُخْتَصَرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِيمَا يَجْرِي غَالِبًا عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ عَلَى سَبِيلِ اللَّجَاجِ وَاللَّغْوِ وَالْيَمِينِ وَالتَّغْلِيظِ طَلَبًا لِإِبْعَادِ مَا يَكْرَهُونَ فِعْلَهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ الْمَحْلُوفَ فِيهِ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: وَالطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ الشَّيْءَ ثُمَّ يَقْصِدُ فِعْلَهُ فَيَفْعَلُهُ وَيَجْرِي قَوْلُهُ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>