وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْمُقِيمِ لِلْمَنَاسِكِ التَّعْجِيلُ لِأَجْلِ مَنْ يَتَأَخَّرُ. قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ خَرَجَ إنْسَانٌ غَيْرُ حَاجٍّ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ لَا يُوَدِّعُ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ لَا يُوَدِّعُ الْبَيْتَ ظَهْرَهُ حَتَّى يَغِيبَ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ. وَيَحْرُمُ طَوَافُهُ بِغَيْرِ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ اتِّفَاقًا، وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ الشِّرْكِ، وَالشِّرْكُ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَكَذَا الْخُرُوجُ مِنْ مَكَّةَ لِعُمْرَةِ تَطَوُّعٍ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابُهُ عَلَى عَهْدِهِ لَا فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْ عَائِشَةَ بِهَا بَلْ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهَا، وَطَوَافُهُ بِالْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ الْخُرُوجِ اتِّفَاقًا وَخُرُوجُهُ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَكْرَهْهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ وَاَلَّذِينَ أَوْجَبُوا الْوُضُوءَ لِلطَّوَافِ لَيْسَ مَعَهُمْ دَلِيلٌ أَصْلًا وَمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا طَافَ تَوَضَّأَ» فَهَذَا لَا يَدُلُّ فَإِنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثُ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَتَى بِالْعُمْرَةِ وَلِهَذَا أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ حَجَّةَ الْمُتَمَتِّعِ حَجَّةٌ مَكِّيَّةٌ.
وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْحَجَّ يُسْقِطُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ إنْ كَانَ جَاهِلًا، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْآدَمِيِّ مِنْ مَالٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ دَمٍ بِالْحَجِّ إجْمَاعًا.
وَمَنْ جَرَّدَ مَعَ الْحَاجِّ أَوْ غَيْرِهِ وَجَمَعَ لَهُ مِنْ الْجُنْدِ الْمُقْطَعِينَ مَا يُعِينُهُ عَلَى كُلْفَةِ الطَّرِيقِ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ، وَلَهُ أَجْرُ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ، وَشَهْرُ السِّلَاحِ عِنْدَ قُدُومِ تَبُوكَ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَمَا يَذْكُرُهُ الْجُهَّالُ مِنْ حِصَارِ تَبُوكَ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ. وَالْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ كَالْمُحْصَرِ بِعَدُوِّ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَمِثْلُهُ حَائِضٌ تَعَذَّرَ مَقَامُهَا وَحَرُمَ طَوَافُهَا وَرَجَعَتْ وَلَمْ تَطُفْ لِجَهْلِهَا بِوُجُوبِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ لِعَجْزِهَا عَنْهُ، أَوْ لِذَهَابِ الرُّفْقَةِ، وَالْمُحْصَرُ يَلْزَمُهُ دَمٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ حَجِّهِ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
[بَابُ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ]
ِ وَتَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ بِمَا كَانَ أَصْغَرَ مِنْ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ لِمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute