للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ كَانُوا يَقْنُتُونَ نَحْوَ هَذَا الْقُنُوتِ، فَمَا كَانَ يُدَاوِمُ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ يَدَعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: إنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ سُنَّةٌ.

وَقِيلَ: الْقُنُوتُ مَنْسُوخٌ. وَأَنَّهُ كُلَّهُ بِدْعَةٌ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنْ يُسَنَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، كَمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ. وَأَمَّا الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ لَمْ يَقْنُتْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَنَتَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَنَتَ السَّنَةَ كُلَّهَا.

وَالْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّ الْأَوَّلَ كَمَالِكٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّ الثَّانِيَ كَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّ الثَّالِثَ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَالْجَمِيعُ جَائِزٌ.

فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا لَوْمَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ هَلْ قُنُوتُ الصُّبْحِ دَائِمًا سُنَّةٌ]

٢٠٨ - ١٢٤ مَسْأَلَةٌ:

هَلْ قُنُوتُ الصُّبْحِ دَائِمًا سُنَّةٌ؟ وَمَنْ يَقُولُ: إنَّهُ مِنْ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ الَّتِي تُجْبَرُ بِالسُّجُودِ، وَمَا يُجْبَرُ إلَّا النَّاقِصُ، وَالْحَدِيثُ «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» فَهَلْ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ؟ وَهَلْ هُوَ هَذَا الْقُنُوتُ؟ وَمَا أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ؟ وَمَا حُجَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ؟ وَإِنْ قَنَتَ لِنَازِلَةٍ: فَهَلْ يَتَعَيَّنُ قَوْلُهُ، أَوْ يَدْعُو بِمَا شَاءَ؟

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ ثُمَّ تَرَكَهُ» . وَكَانَ ذَلِكَ لَمَّا قَتَلُوا الْقُرَّاءَ مِنْ الصَّحَابَةِ.

وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَنَتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفَتْحِ خَيْبَرَ، يَدْعُو لِلْمُسْتَضْعَفَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ، وَيَقُولُ فِي قُنُوتِهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>