وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ. اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» . وَكَانَ يَقْنُتُ يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ، وَكَانَ قُنُوتُهُ فِي الْفَجْرِ.
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَفِي الظُّهْرِ» وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْعَصْرِ أَيْضًا. فَتَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْقُنُوتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَلَا يُشْرَعُ بِحَالٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ، ثُمَّ تَرَكَ، وَالتَّرْكُ نَسْخٌ لِلْفِعْلِ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَقُومُ لِلْجِنَازَةِ، ثُمَّ قَعَدَ، جَعَلَ الْقُعُودَ نَاسِخًا لِلْقِيَامِ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْقُنُوتَ مَشْرُوعٌ دَائِمًا، وَأَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ سُنَّةٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْفَجْرِ.
ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الرُّكُوعِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ سِرًّا، وَأَنْ لَا يَقْنُتَ بِسِوَى: " اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك " إلَى آخِرِهَا " وَاَللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ " - إلَى آخِرِهَا - كَمَا يَقُولُهُ: مَالِكٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: السُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الرُّكُوعِ جَهْرًا. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْنُتَ بِدُعَاءِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قُنُوتِهِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت» إلَى آخِرِهِ. وَإِنْ كَانُوا قَدْ يُجَوِّزُونَ الْقُنُوتَ قَبْلُ وَبَعْدُ. وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] . وَيَقُولُونَ: الْوُسْطَى: هِيَ الْفَجْرُ، وَالْقُنُوتُ فِيهَا. وَكِلْتَا الْمُقَدَّمَتَيْنِ ضَعِيفَةٌ: أَمَّا الْأُولَى: فَقَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ» ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَشُكُّ فِيهِ مَنْ عَرَفَ الْأَحَادِيثَ الْمَأْثُورَةَ؛ وَلِهَذَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ. وَإِنْ كَانَ لِلصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مَقَالَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ. فَإِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute