للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَسَوَاءٌ كَانَ نِيئًا أَوْ مَطْبُوخًا؛ لَكِنَّهُ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ لَمْ يَبْقَ مُسْكِرًا؛ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ أَفَاوِيهُ أَوْ نَوْعٌ آخَرُ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ الْأَئِمَّةِ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ، وَهَذَا الْمُسْكِرُ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى شَارِبِهِ؛ وَهُوَ نَجِسٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ.

وَكَذَلِكَ " الْحَشِيشَةُ " الْمُسْكِرَةُ يَجِبُ فِيهَا الْحَدُّ؛ وَهِيَ نَجِسَةٌ فِي أَصَحِّ الْوُجُوهِ؛ وَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا طَاهِرَةٌ. وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ يَابِسِهَا وَمَائِعِهَا: وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهَا تُسْكِرُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالْخَمْرِ النِّيءِ؛ بِخِلَافِ مَا لَا يُسْكِرُ بَلْ يُغَيِّبُ الْعَقْلَ كَالْبَنْجِ؛ أَوْ يُسْكِرُ بَعْدَ الِاسْتِحَالَةِ كَجَوْزَةِ الطِّيبِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَجِسٍ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْحَشِيشَةَ لَا تُسْكِرُ وَإِنَّمَا تُغَيِّبُ الْعَقْلَ بِلَا لَذَّةٍ فَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ أَمْرهَا؛ فَإِنَّهُ لَوْلَا مَا فِيهَا مِنْ اللَّذَّةِ لَمْ يَتَنَاوَلُوهَا وَلَا أَكَلُوهَا؛ بِخِلَافِ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا لَذَّةَ فِيهِ.

وَالشَّارِعُ فَرَّقَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ بَيْنَ مَا تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ وَمَا لَا تَشْتَهِيهِ فَمَا لَا تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ اكْتَفَى فِيهِ بِالزَّاجِرِ الشَّرْعِيِّ؛ فَجَعَلَ الْعُقُوبَةَ فِيهِ التَّعْزِيرَ. وَأَمَّا مَا تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ فَجَعَلَ فِيهِ مَعَ الزَّاجِرِ الشَّرْعِيِّ زَاجِرًا طَبِيعِيًّا وَهُوَ الْحَدُّ. " وَالْحَشِيشَةُ " مِنْ هَذَا الْبَابِ.

[مَسْأَلَةٌ النَّصُوحِ هَلْ هُوَ حَلَالٌ أَمْ حَرَامٌ]

٧١١ - ٦٥ مَسْأَلَةٌ:

فِي " النَّصُوحِ " هَلْ هُوَ حَلَالٌ، أَمْ حَرَامٌ؟ وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَعْمَلُهُ. " وَصُورَتُهُ " أَنْ يَأْخُذَ ثَلَاثِينَ رِطْلًا مِنْ مَاءِ عِنَبٍ، وَيُغْلَى حَتَّى يَبْقَى ثُلُثُهُ؛ فَهَلْ هَذِهِ صُورَتُهُ؟ وَقَدْ نَقَلَ مَنْ فَعَلَ بَعْضَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْكِرُ؛ وَهُوَ الْيَوْمَ جِهَارًا فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَمِصْرَ؛ وَنَقُولُ لَهُمْ: هُوَ حَرَامٌ؛ فَيَقُولُونَ: كَانَ عَلَى زَمَنِ عُمَرَ؛ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَنَهَى عَنْهُ؟

أَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. قَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ أَنَّهُ حَرَّمَ كُلَّ مُسْكِرٍ، وَجَعَلَهُ خَمْرًا، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» وَفِي لَفْظٍ «كُلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>