إلَيْهَا، وَالْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ؛ لِيَخْلَعَهَا، كَمَا مَضَتْ «سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، حَيْثُ أَمَرَهَا بِرَدِّ مَا أَعْطَاهَا» .
وَإِنْ كَانَ قَدْ أَعْطَاهَا لِتَتَجَمَّلَ بِهِ، كَمَا يُرْكِبُهَا دَابَّتَهُ، وَيُحْذِيهَا غُلَامَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ لَا عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ لِلْعَيْنِ: فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ مَتَى شَاءَ؛ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا. وَإِنْ تَنَازَعَا هَلْ أَعْطَاهَا عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ؟ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ؟ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُرْفٌ يُقْضَى بِهِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا ذَلِكَ. وَإِنْ تَنَازَعَا هَلْ أَعْطَاهَا شَيْئًا أَوْ لَمْ يُعْطِهَا، وَلَمْ يَكُنْ حُجَّةٌ يُقْضَى لَهُ بِهَا؛ لَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ، وَلَا إقْرَارٌ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا.
[مَسْأَلَةٌ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ طَلِّقْنِي وَأَنَا أَبْرَأْتُك مِنْ جَمِيعِ حُقُوقِي]
٥٨٣ - ٤٦ - مَسْأَلَةٌ:
فِي رَجُلٍ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: طَلِّقْنِي وَأَنَا أَبْرَأْتُك مِنْ جَمِيعِ حُقُوقِي عَلَيْك؛ وَآخُذُ الْبِنْتَ بِكِفَايَتِهَا، يَكُونُ لَهَا عَلَيْك مِائَةُ دِرْهَمٍ. كُلَّ يَوْمٍ سُدُسُ دِرْهَمٍ. وَشَهِدَ الْعُدُولُ بِذَلِكَ فَطَلَّقَهَا عَلَى ذَلِكَ بِحُكْمِ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْكَفَالَةِ: فَهَلْ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِفَرْضِ الْبِنْتِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ: إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تُبَرِّئَهُ مِنْ حُقُوقِهَا، وَتَأْخُذَ الْوَلَدَ بِكَفَالَتِهِ. وَلَا تُطَالِبُهُ بِنَفَقَةٍ. صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ: كَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِمَا؛ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَصِحُّ الْخُلْعُ بِالْمَعْدُومِ الَّذِي يُنْتَظَرُ وُجُودُهُ كَمَا تَحْمِلُ أَمَتَهَا وَشَجَرَهَا. وَأَمَّا نَفَقَةُ حَمْلِهَا وَرَضَاعِ وَلَدِهَا، وَنَفَقَتُهُ. فَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُودِهِ وَجَوَازِهِ؛ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي وَأَنَا أَبْرَأْتُك مِنْ حُقُوقِي وَأَنَا آخُذُ الْوَلَدَ بِكَفَالَتِهِ. وَأَنَا أَبْرَأْتُك مِنْ نَفَقَتِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ.
وَإِذَا خَالَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ مَنْ يَرَى صِحَّةَ مِثْلِ هَذَا الْخُلْعِ - كَالْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ - لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْقُضَهُ، وَإِنْ رَآهُ فَاسِدًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا نَفَقَةً لِلْوَلَدِ؛ فَإِنَّ فِعْلَ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ حُكْمٌ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ. وَالْحَاكِمُ مَتَى عَقَدَ عَقْدًا سَاغَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ؛ أَوْ فَسَخَ فَسْخًا جَازَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ: لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute