صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ.
وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.
وَأَيْضًا فَجَمْعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بِغَيْرِهِمَا لِلْعُذْرِ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَيُؤَخِّرَ الْعَصْرَ إلَى دُخُولِ وَقْتِهَا، وَلَكِنْ لِأَجْلِ النُّسُكِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْوُقُوفِ قَدَّمَ الْعَصْرَ.
وَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ الْمَرْضِيُّ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَجْمَعُ بِمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا صَلَّى مَعَهُ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعَصْرِ، وَلَا بِتَقْدِيمِ الْمَغْرِبِ، فَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا يَجْمَعُونَ فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ.
مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْبَيِّنَةِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي لَا رَيْبَ فِيهَا؛ وَعُذْرُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا أَنَّ سَبَبَ الْجَمْعِ هُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ؛ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْجَمْعَ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ، بَلْ يَجْمَعُ لِلْمَطَرِ، وَيَجْمَعُ لِلْمَرَضِ، كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ فِي جَمْعِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا بِالْجَمْعِ فِي حَدِيثَيْنِ.
وَأَيْضًا فَكَوْنُ الْجَمْعِ يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ، فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ: أَحَدُهُمَا: يَجْمَعُ فِي الْقَصِيرِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْجَمْع وَمَا كَانَ النَّبِيُّ يَفْعَلُهُ فِي الصَّلَاةِ]
٢٩١ - ٢٠٧ - سُئِلَ: عَنْ الْجَمْعِ، وَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ؟
أَجَابَ: وَأَمَّا الْجَمْعُ فَإِنَّمَا كَانَ يَجْمَعُ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَكَانَ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ كَمَا جَمَعَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَكَانَ يَجْمَعُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَحْيَانًا، كَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى الْعَصْرِ ثُمَّ صَلَّاهُمَا جَمِيعًا، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ.
وَأَمَّا إذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، كَمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِعَرَفَةَ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي السُّنَنِ، وَهَذَا إذَا كَانَ لَا يَنْزِلُ إلَى وَقْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute