وَقَدْ تُفَسَّرُ بِانْبِسَاطِ آخِرِ النِّيَّةِ عَلَى آخِرِ التَّكْبِيرِ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَوَّلُهَا مَعَ أَوَّلِهِ، وَآخِرُهَا مَعَ آخِرِهِ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عُزُوبَ كَمَالِ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ، وَخُلُوِّ أَوَّلِ الصَّلَاةِ عَنْ النِّيَّةِ الْوَاجِبَةِ.
وَقَدْ تُفَسَّرُ بِحُضُورِ جَمِيعِ النِّيَّةِ مَعَ جَمِيعِ آخِرِ التَّكْبِيرِ، وَهَذَا تَنَازَعُوا فِي إمْكَانِهِ. فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: إنَّ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَا مَقْدُورٍ لِلْبَشَرِ عَلَيْهِ، فَضْلًا عَنْ وُجُوبِهِ، وَلَوْ قِيلَ بِإِمْكَانِهِ، فَهُوَ مُتَعَسِّرٌ، فَيَسْقُطُ بِالْحَرَجِ. وَأَيْضًا فَمِمَّا يُبْطِلُ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ، أَنَّ الْمُكَبِّرَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَدَبَّرَ التَّكْبِيرَ وَيَتَصَوَّرَهُ، فَيَكُونَ قَلْبُهُ مَشْغُولًا بِمَعْنَى التَّكْبِيرِ، لَا بِمَا يَشْغَلُهُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ اسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ؛ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ مِنْ الشُّرُوطِ، وَالشُّرُوطُ تَتَقَدَّمُ الْعِبَادَاتِ، وَيَسْتَمِرُّ حُكْمُهَا إلَى آخِرِهَا، كَالطَّهَارَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ النِّيَّة فِي الدُّخُولِ فِي الْعِبَادَاتِ هَلْ تَفْتَقِرُ إلَى نُطِقْ اللِّسَانِ]
١٤١ - ٥٧ سُئِلَ: عَنْ " النِّيَّةِ " فِي الدُّخُولِ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَغَيْرِهَا. هَلْ تَفْتَقِرُ إلَى نُطْقِ اللِّسَانِ، مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ: نَوَيْتُ أَصُومُ، نَوَيْتُ أُصَلِّي هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟
أَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. نِيَّةُ الطَّهَارَةِ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ أَوْ تَيَمُّمٍ، وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نُطْقِ اللِّسَانِ، بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ. بَلْ النِّيَّةُ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ دُونَ اللِّسَانِ بِاتِّفَاقِهِمْ، فَلَوْ لَفَظَ بِلِسَانِهِ غَلَطًا بِخِلَافِ مَا نَوَى فِي قَلْبِهِ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِمَا نَوَى، لَا بِمَا لَفَظَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ خِلَافًا إلَّا أَنَّ بَعْضَ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَرَّجَ وَجْهًا فِي ذَلِكَ، وَغَلَّطَهُ فِيهِ أَئِمَّةُ أَصْحَابِهِ. وَكَانَ سَبَبُ غَلَطِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ فِي أَوَّلِهَا.
وَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ: التَّكْبِيرَ الْوَاجِبَ فِي أَوَّلِهَا، فَظَنَّ هَذَا الْغَالِطُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ النُّطْقَ بِالنِّيَّةِ، فَغَلَّطَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ جَمِيعُهُمْ. وَلَكِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ سِرًّا أَمْ لَا؟ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِلْفُقَهَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute