للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صُوَرٌ كَثِيرَةٌ فَتَخْرُجُ مِنْهُ هَذِهِ الصُّورَةُ بِنُصُوصٍ وَآثَارٍ وَقِيَاسٍ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، أَعْنِي صُورَةَ الِابْتِيَاعِ مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُ.

فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ السَّبْعَةُ الَّتِي قَسَّمْنَاهَا مَا تُسَمَّى حِيلَةً إلَيْهَا إذَا تَأَمَّلَهَا اللَّبِيبُ عَلِمَ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَبَيْنَ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا التَّقْسِيمُ الدَّلَالَةَ عَلَى بُطْلَانِ الْخَمْسَةِ وَالْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآخَرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ الْحِيَلَ مَعَ أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهَا أُحْدِثَتْ بِالرَّأْيِ]

الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ

أَنَّ الْحِيَلَ مَعَ أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهَا أُحْدِثَتْ بِالرَّأْيِ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَهَا مَنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعَ الرَّأْيِ فَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ وَأَهْلِهِ فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْحِيَلَ فَإِنَّهَا رَأْيٌ مَحْضٌ لَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا لَهُ نَظِيرٌ مِنْ الْحِيَلِ ثَبَتَ بِأَصْلٍ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ. وَالْحُكْمُ إذَا ثَبَتَ بِأَصْلٍ وَلَا نَظِيرَ كَانَ رَأْيًا مَحْضًا بَاطِلًا.

يُحَقِّقُ هَذَا: أَنَّهَا إنَّمَا نَشَأَتْ مِمَّنْ كَانَ مِنْ الْمُفْتِينَ قَدْ غَلَّبَ بِفِسْقِ الرَّأْيِ وَتَصْرِيفِهِ وَكَانَ تَلَقِّيهِمْ لِلْأَحْكَامِ مِنْ جِهَةٍ أَغْلَبَ مِنْ تَلَقِّيهَا مِنْ جِهَةِ الْآثَارِ، ثُمَّ هَذَا الرَّأْيُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ أَكْثَرُ مَا فِيهِ مِنْ فَسَادٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْحِيَلِ الَّتِي دَقَّقَتْ الدِّينَ وَجَرَّاهُ عَلَى اعْتِدَاءِ الْحُدُودِ وَاسْتِحْلَالِ الْمَحَارِمِ، وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا الرَّأْيِ أَيْضًا تَشْدِيدُ مَا سَهَّلَتْهُ السُّنَّةُ، وَهَذَا مِثْلُ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ وَلَكِنْ يَنْزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ اللَّفْظَ الْمَشْهُورَ: «فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ» إلَى أَحَادِيثَ أُخَرَ مِثْلِ حَدِيثٍ: يُرْوَى عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَعْظَمُهَا فِئَةُ الَّذِينَ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ فَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُونَ الْحَلَالَ» - وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ إمَامٌ إلَّا أَنَّهُ قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>