للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ بُطْلَانُ الْحِيَلِ وَأَدِلَّةُ التَّحْرِيمِ]

ِ أَنْ نَقُولَ: إنَّ - اللَّهَ سُبْحَانَهُ - حَرَّمَ أَشْيَاءَ، إمَّا تَحْرِيمًا مُطْلَقًا، كَتَحْرِيمِ الرِّبَا، أَوْ تَحْرِيمًا مُقَيَّدًا إلَى أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالٌ مِنْ الْأَحْوَالِ، كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَكَتَحْرِيمِ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا عِنْدَ الْحِنْثِ، وَأَوْجَبَ أَشْيَاءَ إيجَابًا مُعَلَّقًا بِأَسْبَابٍ: إمَّا حَقًّا لِلَّهِ - سُبْحَانَهُ -، كَالزَّكَاةِ، وَنَحْوِهَا، أَوْ حَقًّا لِلْعِبَادِ كَالشُّفْعَةِ، ثُمَّ إنَّهُ شَرَعَ أَسْبَابًا تُفْعَلُ لِتَحْصِيلِ مَقَاصِدَ، كَمَا شَرَعَ الْعِبَادَاتِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لِابْتِغَاءِ فَضْلِهِ وَرِضْوَانِهِ.

وَكَمَا شَرَعَ عَقْدَ الْبَيْعِ لِنَقْلِ الْمِلْكِ بِالْعِوَضِ، وَعَقْدَ الْقَرْضِ لِإِرْفَاقِ الْمُقْتَرِضِ، وَعَقْدَ النِّكَاحِ لِلْأَزْوَاجِ، وَالسَّكَنِ، وَالْأُلْفَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالْخُلْعِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ افْتِدَاءَ الْمَرْأَةِ مِنْ رِقِّ بَعْلِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ هَدَى خَلْقَهُ إلَى أَفْعَالٍ تُبَلِّغُهُمْ إلَى مَصَالِحَ لَهُمْ كَمَا شَرَعَ مِثْلَ ذَلِكَ.

فَالْحِيلَةُ: أَنْ يَقْصِدَ سُقُوطَ الْوَاجِبِ، أَوْ حِلَّ الْحَرَامِ، بِفِعْلٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ مَا جُعِلَ ذَلِكَ الْفِعْلُ لَهُ، أَوْ مَا شُرِعَ، فَهُوَ يُرِيدُ تَغْيِيرَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِأَسْبَابٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا مَا جُعِلَتْ تِلْكَ الْأَسْبَابُ لَهُ، وَهُوَ يَفْعَلُ تِلْكَ الْأَسْبَابَ لِأَجْلِ مَا هُوَ تَابِعٌ لَهَا، لَا لِأَجْلِ مَا هُوَ الْمَتْبُوعُ الْمَقْصُودُ بِهَا، بَلْ يَفْعَلُ السَّبَبَ لِمَا يُنَافِي قَصْدَهُ مِنْ حُكْمِ السَّبَبِ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَبَ ثَمَرَةَ الْفِعْلِ الشَّرْعِيِّ وَنَتِيجَتَهُ وَهُوَ لَمْ يَأْتِ بِقِوَامِهِ وَحَقِيقَتِهِ، فَهَذَا خِدَاعٌ لِلَّهِ، وَاسْتِهْزَاءٌ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَتَلَاعُبٌ بِحُدُودِ اللَّهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَعَامَّةُ دَعَائِمِ الْإِيمَانِ وَمَبَانِي الْإِسْلَامِ.

وَدَلَائِلُ ذَلِكَ لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ وَلَكِنْ نُنَبِّهُ عَلَى بَعْضِهَا.

مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ بِإِبْطَالِ مِثْلِ هَذِهِ الْحِيَلِ فِي الْجُمْلَةِ مَأْثُورٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>