للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلَامَهُ حُرُوفُهُ وَمَعَانِيهِ وَمَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِ لَمْ تُفَارِقْ ذَاتَه فَالْعِلْمُ بِمِثْلِ هَذَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ أَوْلَى وَأَظْهَرُ.

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ فِي رَجُلٍ قَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا وَإِنَّمَا خَلَقَ الْكَلَامَ وَالصَّوْتَ فِي الشَّجَرَةِ]

١٠٢٦ - ٢ مَسْأَلَةٌ:

فِي رَجُلٍ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسًى تَكْلِيمًا. وَإِنَّمَا خَلَقَ الْكَلَامَ وَالصَّوْتَ فِي الشَّجَرَةِ، وَمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمِعَ مِنْ الشَّجَرَةِ، لَا مِنْ اللَّهِ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُكَلِّمْ جِبْرِيلُ بِالْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فَهَلْ هُوَ عَلَى الصَّوَابِ أَمْ لَا؟

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، لَيْسَ هَذَا الصَّوَابَ، بَلْ هُوَ ضَالٌّ مُفْتَرٍ كَاذِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا.

بَلْ هُوَ كَافِرٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَإِذَا قَالَ: لَا أُكَذِّبُ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤] بَلْ أُقِرُّ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ حَقٌّ، لَكِنْ أَنْفِي مَعْنَاهُ وَحَقِيقَتَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ الْجَهْمِيَّةُ الَّذِينَ اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ شَرِّ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، حَتَّى أَخْرَجَهُمْ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَنْ الِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً.

وَأَوَّلُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ يُقَالُ لَهُ: جَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ، فَضَحَّى بِهِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ يَوْمَ أَضْحَى، فَإِنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: ضَحُّوا أَيُّهَا النَّاسُ يَقْبَلْ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إبْرَاهِيمُ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ، فَشَكَرُوا ذَلِكَ.

وَأَخَذَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ عَنْهُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ وَقَتَلَهُ بِخُرَاسَانَ سَلَمَةُ بْنُ أَحْوَزَ، وَإِلَيْهِ نُسِبَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ الَّتِي تُسَمَّى مَقَالَةَ الْجَهْمِيَّةِ، وَهِيَ نَفْيُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُكَلِّمُ عِبَادَهُ وَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ، وَلَا حَيَاةٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ وَيَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ.

وَوَافَقَ الْجَهْمَ عَلَى ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ أَصْحَابُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَضَمُّوا إلَيْهَا أُخْرَى فِي الْقَدَرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى حَقِيقَةً، وَتَكَلَّمَ حَقِيقَةً،

<<  <  ج: ص:  >  >>