للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَمْيِيزٍ مِنْ الصِّبْيَانِ لَعَلِمَ بِبَدِيهَةِ عَقْلِهِ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ. فَتَدَبَّرْ كَيْفَ ضَلُّوا فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ مَعْنَاهُ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْمُسَمَّى، ثُمَّ ضَلُّوا أَعْظَمَ ضَلَالٍ فِي أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ أَنْزَلَهُ مَعْنَاهُ مَعْنًى وَاحِدٌ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ أَسْمَاؤُهُ لِاخْتِلَافِ الْأَلْسِنَةِ، وَشَبَّهُوهُ بِالْأَسْمَاءِ فَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ مَعْنًى وَاحِدًا وَلَهُ صِفَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَكَانُوا قَدْ ضَلُّوا مِنْ وَجْهٍ، وَلَكِنْ مَعْنَى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لَيْسَ هُوَ مَعْنَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: ١] بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ مِثْلُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ، إذْ الْمَدْلُولُ هُنَا وَاحِدٌ فِي نَفْسِهِ وَلَهُ صِفَاتٌ وَالْمَدْلُولُ هُنَا فِي إحْدَى السُّورَتَيْنِ لَيْسَ هُوَ الْمَدْلُولَ فِي السُّورَةِ الْأُخْرَى بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ.

وَأَمَّا تَشْبِيهُهُمْ ذَلِكَ بِكَوْنِ اللَّهِ مَعْبُودًا بِعِبَادَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ فَهُوَ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْفَرْقِ فَلِهَذَا لَمْ نَحْتَجْ إلَى الْكَلَامِ عَلَيْهِ، إذْ تَشْبِيهُ ذَلِكَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَقْوَى اشْتِبَاهًا وَقَدْ ظَهَرَ مَا فِيهِ، فَكَيْفَ بِتَشْبِيهِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ بِعِبَادَةِ الْعَابِدِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَك أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ إنَّ الْقُرْآنَ مَحْفُوظٌ بِالْقُلُوبِ حَقِيقَةً مَقْرُوءٌ بِالْأَلْسِنَةِ حَقِيقَةً مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ حَقِيقَةً كَمَا أَنَّ اللَّهَ مَعْلُومٌ بِالْقُلُوبِ مَذْكُورٌ بِالْأَلْسِنَةِ مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ حَقِيقَةً، فَهُوَ يَقْصِدُ هَذَا التَّلْبِيسَ مِنْ جَعْلِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَسَائِرِ كَلَامِ اللَّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا ادَّعَوْهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى النَّفْسَانِيِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ لَك أَنَّ هَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا مِمَّا ابْتَلَى بِهِ كَثِيرًا مِنْ عِبَادِهِ وَفَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا. وَبِهَذَا وَأَمْثَالِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانُوا أَخْبَثَ قَوْلًا مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ جِهَاتٍ مِثْلِ نَفْيِهِمْ أَنْ يَقُومَ بِاَللَّهِ كَلَامٌ فَهَؤُلَاءِ أَخْبَثُ مِنْهُمْ مِنْ جِهَاتٍ أُخَرَ مِثْلِ مَنْعِهِمْ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ اللَّهِ مَا هُوَ كَلَامُهُ وَجَعْلِهِمْ كَلَامِ اللَّهِ شَيْئًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

[الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ إنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِي الْجَوَابِ عَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ]

ِ مِنْ أَنَّ لَهُ كَلِمَاتٍ مَا لَهُ حَقِيقَةٌ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَيْسَ لِلَّهِ كَلَامٌ إلَّا مَعْنَى وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّعَدُّدُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ لَهُ كَلِمَاتٍ وَأَنَّ الْبِحَارَ لَوْ كَانَتْ مِدَادَهَا وَالْأَشْجَارُ أَقْلَامُهَا لَمَا نَفِدَتْ تِلْكَ الْكَلِمَاتُ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ لَهَا مِنْ التَّعْدَادِ مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ إحْصَاءُ الْعِبَادِ، فَكَيْفَ يُقَالُ لَيْسَ لَهُ كَلِمَتَانِ فَصَاعِدًا.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ التَّكْثِيرُ لِلتَّفْخِيمِ كَقَوْلِهِ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [الحجر: ٩] ، فَيُقَالُ لَهُمْ هَذَا إنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>