للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُصَرِّحُ بِأَنَّ الْمَعْنَى بِذَلِكَ اللَّفْظِ هُوَ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ بَيَّنَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ وَاحِدٌ فَإِذَا قَالَ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [الحجر: ٩] . {إِنَّا فَتَحْنَا} [الفتح: ١] وَقَدْ عَلِمَ الْمُخَاطَبُونَ أَنَّهُ وَاحِدٌ، عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقْتَضِ أَنَّ ثَمَّ آلِهَةً مُتَعَدِّدَةً لَكِنْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ صِيغَةُ الْجَمْعِ فِي مِثْلِ هَذَا دَلَّتْ عَلَى كَثْرَةِ مَعَانِي أَسْمَائِهِ وَهَذَا مُنَاسِبٌ وَأَمَّا الْكَلَامُ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ قَطُّ وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ ابْنِ كُلَّابٍ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَيْسَ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا وَلَا خَطَرَ هَذَا بِقَلْبِ أَحَدٍ، فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ أَرَادَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ الْوَاحِدَ وَلِهَذَا لَا يَكَادُ يُوجَدُ هَذَا فِي صِيغَةِ التَّكَلُّمِ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْ صِيغَةِ الْمُخَاطَبَةِ لَهُ كَمَا قَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: ٩٩] وَأَمَّا تَمْثِيلُهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: ١٢٠] أَيْ مِثْلَ أُمَّةٍ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْأُمَّةُ كَمَا فَسَّرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ هُوَ مُعَلِّمُ الْخَيْرِ وَهُوَ الْقُدْوَةُ الَّذِي يُؤْتَمُّ بِهِ أَيْ يُقْتَدَى بِهِ، فَأُمَّةٌ مِنْ الِائْتِمَامِ كَقُدْوَةٍ مِنْ الِاقْتِدَاءِ، وَلَيْسَ هُوَ مُسْتَعَارًا مِنْ الْأُمَّةِ الَّذِينَ هُمْ جِيلٌ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الأنبياء: ٤٧] وَإِنَّمَا هُوَ مِيزَانٌ وَاحِدٌ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْجَمْعُ مُرَادٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إمَّا لِتَعَدُّدِ الْآلَاتِ الَّتِي تُوزَنُ بِهَا أَوْ لِتَعَدُّدِ الْأَوْزَانِ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ كَثْرَتِهِ لِكَثْرَةِ الْمَعَانِي الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا الْعِبَارَاتُ عَنْهُ فَهَذَا حَقٌّ لَكِنْ إذَا كَانَتْ الْعِبَارَاتُ دَلَّتْ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ عُلِمَ أَنَّ مَعَانِيَ الْعِبَارَاتِ لِكَلَامِ اللَّهِ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هُوَ مَعْنًى وَاحِدًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ: إنَّ الْقُرْآنَ صَرَّحَ بِإِرَادَةِ الْعَدَدِ مِنْ لَفْظِ الْكَلِمَاتِ وَبِإِرَادَةِ الْوَاحِدِ مِنْ لَفْظِ كَلِمَةٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} [يونس: ١٩] وَقَالَ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: ١٠٩] وَقَالَ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: ٢٧] فَبَيَّنَ أَنَّهَا إذَا كُتِبَتْ بِمِيَاهِ الْبَحْرِ وَأَقْلَامِ الْأَشْجَارِ لَا تَنْفَدُ وَالنَّفَادُ الْفَرَاغُ فَعُلِمَ أَنَّهُ يُكْتَبُ بَعْضُهَا وَيَبْقَى مِنْهَا مَا لَمْ يُكْتَبْ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا مِنْ الْكَثْرَةِ إلَى أَنْ يُكْتَبَ مِنْهَا مَا يُكْتَبُ وَيَبْقَى مَا يَبْقَى فَكَيْفَ يَكُونُ إنَّمَا أَرَادَ بِلَفْظِ الْكَلِمَاتِ كَلِمَةً وَاحِدَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>