للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَحِقُّهُ فَيُعْطِيهِ الْعَطِيَّةَ يَخْرُجُ بِهَا يَتَأَبَّطُهَا نَارًا تَأْلِيفًا لِقَلْبِهِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

وَاعْلَمْ أَنَّا إنَّمَا ذَكَرْنَا هُنَا اعْتِقَادَ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْعَزْمُ وَالْإِرَادَةُ. فَأَمَّا اعْتِقَادُ الْحُكْمِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْفِعْلَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ فَتَأْثِيرُ هَذَا فِي الْحُكْمِ فِي الْجُمْلَةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ مَنْ وَطِئَ فَرْجًا يَعْتَقِدُهُ حَلَالًا لَهُ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ حَلَالًا، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً اشْتَرَاهَا، أَوْ اتَّهَبَهَا، أَوْ وَرِثَهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا غَصْبٌ، أَوْ حُرَّةٌ، أَوْ يَتَزَوَّجُهَا تَزَوُّجًا فَاسِدًا لَا يَعْلَمُ فَسَادَهُ، إمَّا بِأَنْ لَا يَعْلَمَ السَّبَبَ الْمُفْسِدَ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ عَلِمَ السَّبَبَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُفْسِدٌ لِجَهْلٍ كَمَنْ يَتَزَوَّجُ الْمُعْتَدَّةَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ جَائِزٌ، أَوْ لِتَأْوِيلٍ، كَمَنْ يَتَزَوَّجُ بِلَا وَلِيٍّ، أَوْ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَإِنَّ حُكْمَ هَذَا الْوَطْءِ حُكْمُ الْحَلَالِ فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَلُحُوقِ النَّسَبِ وَحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وَفِي ثُبُوتِ الْمُصَاهَرَةِ وَالْعِدَّةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، أَوْ سُرِّيَّتُهُ وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لِهَذَا الِاعْتِقَادِ تَأْثِيرٌ فِي سُقُوطِ ضَمَانِ الدَّمِ وَالْمَالِ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ فِيمَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ حَالَ الْقِتَالِ، وَكَذَلِكَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَسُقُوطِ الْعَزْمِ فِيمَا مَلَكَهُ الْكُفَّارُ وَأَتْلَفُوهُ، ثُمَّ أَسْلَمُوا فَإِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ وِفَاقًا وَلَا يُسْلَبُونَ مَا مَلَكُوهُ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فِي دِيَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَغَيْرِهَا، وَلَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْأَقْوَالِ فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَبَانَ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَهَذَا كَثِيرٌ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ لَكِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ لَيْسَ هُوَ الَّذِي قَصَدْنَا الْكَلَامَ فِيهِ هُنَا وَإِنْ كَانَ يُقَوِّي مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْجُمْلَةِ.

[الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ]

الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: «أَمَّا بَعْدُ فَأَحْسَنُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>