الشَّارِعِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الرَّدَّ إلَى الْأَوَّلِ، وَهَذَا لَمْ يَقْصِدْهُ الشَّارِعُ، فَقَدْ قَصَدَ مَا لَمْ يَقْصِدْهُ الشَّارِعُ، وَلَمْ يَقْصِدْ مَا قَصَدَهُ، فَيَجِبُ إبْطَالُ قَصْدِهِ بِإِبْطَالِ وَسِيلَتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الشَّوَاهِدِ أَنَّ الْمَقَاصِدَ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ هَذَا يَجْتَثُّ قَاعِدَةَ الْحِيَلِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ هُوَ الَّذِي لَا يَقْصِدُ بِالتَّصَرُّفِ مَقْصُودَهَا الَّذِي جُعِلَ لِأَجْلِهِ، بَلْ يَقْصِدُ بِهِ إمَّا اسْتِحْلَالَ مُحَرَّمٍ، أَوْ إسْقَاطَ وَاجِبٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، مِثْلُ الْمُحَلِّلِ الَّذِي لَا يَقْصِدُ مَقْصُودَ النِّكَاحِ مِنْ الْأُلْفَةِ وَالسَّكَنِ الَّتِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ نَقِيضَ النِّكَاحِ وَهُوَ الطَّلَاقُ لِتَعُودَ إلَى الْأَوَّلِ.
وَكَذَلِكَ الْمُعِينُ لَا يَقْصِدُ مَقْصُودَ الْبَيْعِ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ أَنْ يُعْطِيَ أَلْفًا حَالَّةً بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ مُؤَجَّلَةً. وَكَذَلِكَ الْمُخَالِعُ خُلْعَ الْيَمِينِ لَا يَقْصِدُ مَقْصُودَ الْخُلْعِ مِنْ الْفُرْقَةِ وَالْبَيْنُونَةِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ حِلَّ يَمِينِهِ بِدُونِ الْحِنْثِ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا مَقْصُودَ الْخُلْعِ وَهَذَا بَيِّنٌ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ. وَهَذَا يُوجِبُ فَسَادَ الْحِيَلِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِتِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ مُوجَبَاتِهَا الشَّرْعِيَّةَ، بَلْ قَصَدَ خِلَافَهَا وَنَقِيضَهَا.
الثَّانِي: أَنَّهُ قَصَدَ بِهَا إسْقَاطَ وَاجِبٍ وَاسْتِحْلَالَ مُحَرَّمٍ دُونَ سَبَبِهِ الشَّرْعِيِّ.
لَكِنْ مِنْ التَّصَرُّفِ مَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ كَالْعُقُودِ الَّتِي قَدْ تَوَاطَأَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَبْطُلُ الْحُكْمُ الَّذِي اُحْتِيلَ عَلَيْهِ، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ النِّصَابَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، أَوْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ فِرَارًا مِنْ الْإِرْثِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي.
وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَاقِعٌ لَكِنْ تَجِبُ الزَّكَاةُ وَيَثْبُتُ الْإِرْثُ إبْطَالًا لِلتَّصَرُّفِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَإِنْ صَحَّ فِي حُكْمٍ آخَرَ. كَمَا أَنَّ صَيْدَ الْحَلَالِ لِلْمُحْرِمِ وَذَبْحَهُ يَجْعَلُ اللَّحْمَ ذَكِيًّا فِي حَقِّ الْحَلَالِ مَيِّتًا فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ، وَكَمَا أَنَّ بَيْعَ الْمَعِيبِ وَالْمُدَلَّسِ إذَا صَدَرَ مِمَّنْ يَعْلَمُ بِذَلِكَ لِمَنْ لَا يَعْلَمُهُ كَانَ حَرَامًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَلَالًا فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي.
وَكَذَلِكَ رِشْوَةُ الْعَامِلِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ وَمِنْ هَذَا إعْطَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ مَا لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute