للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَسْفِ، وَهُوَ قَوِيٌّ وَنَصُّ أَحْمَدَ لَا يُصَلِّي فِيهَا، وَقَالَ الْآمِدِيُّ: وَيُكْرَهُ فِي الرَّحَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عُلُوِّهَا وَسُفْلِهَا.

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَلَعَلَّ هَذَا لِمَا فِيهَا مِنْ الصَّوْتِ الَّذِي يُلْهِي الْمُصَلِّيَ وَيَشْغَلُهُ، وَلَا تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِي الْكَعْبَةِ بَلْ النَّافِلَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ.

وَأَمَّا صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَيْتِ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَطَوُّعًا فَلَا يَلْحَقُ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى دَاخِلَ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ» فَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ لِهَذَا الْكَلَامِ فِي عَقِيبِ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْبَيْتِ بَيَانًا؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ الْمَأْمُورَ بِاسْتِقْبَالِهَا هِيَ الْبِنْيَةُ كُلُّهَا، لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ اسْتِقْبَالَ بَعْضِهَا كَافٍ فِي الْفَرْضِ، لِأَجْلِ أَنَّهُ صَلَّى التَّطَوُّعَ فِي الْبَيْتِ، وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَنَّ الْكَعْبَةَ فِي الْجُمْلَةِ هِيَ الْقِبْلَةُ فَلَا بُدَّ لِهَذَا الْكَلَامِ مِنْ فَائِدَةٍ، وَعِلْمُ شَيْءٍ قَدْ يَخْفَى وَيَقَعُ فِي مَحَلِّ الشُّبْهَةِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَفَهِمَ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا سَمِعَ، وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ جَازَ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَأَمَّا إنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا اُعْتُبِرَ فِيهَا شُرُوطُ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ يُحْذَى بِهِ حَذْوَ الْفَرَائِضِ.

[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

ِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِ الرَّاوِي إنَّهُ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حِمَارٍ غَلَطٌ مِنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ» ، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَاحِلَتِهِ أَوْ الْبَعِيرِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْحِمَارِ مِنْ فِعْلِ أَنَسٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ عَمْرٍو هَذَا وَقِيلَ إنَّ فِي تَغْلِيطِهِ نَظَرًا وَقِيلَ إنَّهُ شَاذٌّ لِمُخَالَفَتِهِ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» هَذَا خِطَابٌ مِنْهُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ كَأَهْلِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَالْعِرَاقِ.

وَأَمَّا أَهْلُ مِصْرَ فَقِبْلَتُهُمْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْجَنُوبِ مِنْ مَطْلَعِ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ، وَذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ هَوَاؤُهَا دُونَ بُنْيَانِهَا بِدَلِيلِ الْمُصَلِّي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقْبِلُ الْهَوَاءَ لَا الْبِنَاءَ، وَبِدَلِيلِ لَوْ اُنْتُقِضَتْ الْكَعْبَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ اسْتِقْبَالُ الْعَرْصَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>